توقيت القاهرة المحلي 08:56:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف سيتعايش العالم مع «الهند الجديدة»؟

  مصر اليوم -

كيف سيتعايش العالم مع «الهند الجديدة»

بقلم - إياد أبو شقرا

تأتي استضافة الهند قمة «مجموعة العشرين» لتؤكد المؤكد... وهو أن «المارد الهندي» خرج نهائياً من القمقم!

القيادة الهندية الحالية رسّخ أقدامها في الحكم، عام 2014، حزب قومي الهوية ديني القاعدة، هو اليوم أكبر حزب سياسي في العالم (يضم نحو 180 مليون عضو، أي ما يقرب من ضعفي عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني). وهذه القيادة تقود اليوم أيضاً كبرى دول العالم من حيث عدد السكان، بعدما تجاوز تعداد الهند السكاني أخيراً التعداد السكاني لـ«جارتها» الصين، وسط نمو اقتصادي وتكنولوجي ضخم وسريع.

بالمناسبة، يحتل الاقتصاد الهندي راهناً المرتبة الخامسة عالمياً بعد اقتصادات الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، متقدّماً على اقتصادَي كل من بريطانيا وفرنسا. ثم إنه الخامس عالمياً أيضاً على قائمة الاقتصادات الأسرع نمواً بعد اقتصادات كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية... متقدماً على المنافسين الآسيويين الكبيرين الصين واليابان!

هذا إنجاز لا يستهان به إطلاقاً، لا سيما إذا أخذنا في الحساب كيف كان حال الهند عشية استقلالها عام 1947، إثر تقسيم بريطانيا شبه القارة الهندية. ولكن لدى التطرّق إلى التاريخ، تمهيداً لقراءة الحاضر واستشراف المستقبل، لا بد من الإقرار بوجود إيجابيات كبرى، وأيضاً سلبيات كبرى، للتطوّر الحاصل في الهند منذ ثلاثة أرباع القرن.

متابعة لما يخص الشقّ الاقتصادي، ووفق الإحصاءات الرسمية الهندية – التي تطرّقت لها «الشرق الأوسط» أخيراً – يبلغ الناتج الإجمالي المحلي الهندي اليوم 3.76 تريليون دولار أميركي... مقابل 30 مليار دولار فقط عام 1947.

أيضاً، بين الإيجابيات المهمة جداً، تحوُّل الهند إلى مختبر عِلمي وبحثي واتصالاتي وخدماتي عملاق يعجّ بمراكز الصناعات التكنولوجية المتقدمة لعل أبرزها في مدينتي بنغالور وحيدر آباد، ونسبة أمّيّة (تحديداً جهل القراءة والكتابة) انخفضت إلى 23 في المائة، بعدما كانت البلاد - المتركز ثقلها السكاني في الأرياف الفقيرة - تعاني من معدل أمّيّة في حدود الـ88 في المائة!

وعلى صعيد التنمية البشرية، كان متوسّط عمر المواطن الهندي عند الاستقلال 30 سنة فقط، لكنه يبلغ اليوم 70 سنة بفضل النجاح الواضح في مكافحة الأمراض الناجمة عن الفقر وسوء التغذية، وتحسّن مستويات الصحة العامة وإجراءات الوقاية والتقنيات العلاجية والطبية.

هذه كلها إيجابيات لا ينكرها إلا مُتحامل كارِه... بيد أنها لا تختصر كل المشوار الاستقلالي عبر 75 سنة.

صحيحٌ أنه، من حيث الشكل، لا تزال الهند «كبرى ديمقراطيات العالم» وفق التعريف العملي لكلمة ديمقراطية... وصحيح أيضا أنها لا تزال تعترف - رسمياً على الأقل - بالتنوّع العرقي واللغوي والثقافي والديني، وتطبِّق هذا الاعتراف بالمحافظة على نظام فيدرالي يقوم على ولايات (وأقاليم ذاتية الحكم)، لها حكوماتها ويُعاد النظر في عددها وحدودها، حيث وحين تدعو الحاجة.

إلا أن الواقع الأعمق... مختلف.

الهند، التي يحكمها ناريندرا مودي وحزبه «بهاراتيا جاناتا» حالياً، لا تمتّ بصلة من حيث منظومة قِيَمها ومُثُلها ومبادئها إلى الهند التي أسّسها القادة الاستقلاليون الأوائل عام 1947، وعلى رأسهم المهاتما موهانداس غاندي وألبانديت جواهر لال نهرو وأبو الكلام آزاد.

إنها وفق كثيرين، بمَن فيهم أصحاب رأي ومكانة من الغالبية الهندوسية، تحوّلت خلال العقدين الأخيرين، من تجربة رائدة في التعايش السلمي والتلاقح الثقافي والتسامح الديني إلى نموذج صريح لـ«هيمنة» الأكثرية ولو عبر صناديق الاقتراع.

ولعل هذا النوع من الهيمنة هو الأسوأ، لكونه يحمل في طيّاته أكثر من غيره عوامل الديمومة، والمزايدة في التشدد، والشيطنة المُلقنة للآخرين، والهروب الدائم إلى الأمام.

للأسف، هذا التحوّل في الشخصية السياسية الهندية، لا يقتصر فقط على «هند الداخل»، على الرغم من ضخامتها وتزايد أهميتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية على المسرح الدولي. إنه بات ملموساً أيضاً في الجاليات الهندية المهاجرة المنتشرة في شتى أنحاء العالم.

وأمس كانت تاريخية بالفعل تلك المصافحة بين رئيس الوزراء الهندي مودي و«ضيفه» رئيس الوزراء البريطاني (الهندي الأصل) ريشي سوناك.

وحقاً، مثلما يجسّد مودي تحوّل الهند نحو اليمين المتشكك في التعايش، يمثل سوناك وعدد من زملائه في الحكومة البريطانية المحافظة الحالية انتقال نسبة كبيرة من أبناء الجيلين الثاني والثالث من مهاجري شبه القارة الهندية من مواقع اليسار والوسط إلى أقصى اليمين. وراهناً، يقود هذا اليمين من أبناء المهاجرين بإصرار حملة معاداة شبكة الأمان الاجتماعي صحياً وتعليمياً، ويرفض قوانين الهجرة (التي استفاد منها)، مزايدا على غلاة المحافظين التقليديين في طول بريطانيا وعرضها.

هذا النهج ذاته تقريباً يُعبّر عنه اليوم أيضا كثيرون من أبناء الجيلين الثاني والثالث من مهاجري شبه القارة الهندية إلى الولايات المتحدة، وفي طليعة هؤلاء المرشح الجمهوري الثري الشاب فيفيك راماسوامي، الذي عرض أخيراً ما في جعبته من مواقف مشابهة خلال أولى مناظرات المرشحين الرئاسيين الجمهوريين في مدينة ميلووكي.

هنا نحن أمام حالة أزعم أنها تستحق الرصد، لا سيما، مع تزايد دور «الهند الجديدة» وتأثيرها على عدد المعادلات الدولية في خضم انشغالات القوى العالمية المنافسة. فالولايات المتحدة لا تزال تعيش «ظاهرة دونالد ترمب» بكل ما تنطوي عليه من مفاهيم وقناعات تعيد «تعريف» المؤسسات الديمقراطية. وروسيا تدفع كل يوم أثمان سياسة «التحاور بالدبابات» التي أتقنتها منذ 1917، قبل أن تقتل هذه السياسة «التجربة السوفياتية» في مطلع التسعينات.

والصين تحاول الهروب من الحصارات السياسية والدفاعية الاستراتيجية... بالاختراقات الاقتصادية والتنموية. والاتحاد الأوروبي مشتّت بين الحنين إلى التضامن القاري والسقوط تحت حراب التطرف القومي والنزق العنصري.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف سيتعايش العالم مع «الهند الجديدة» كيف سيتعايش العالم مع «الهند الجديدة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 08:44 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة ترد على إعلان إسرائيل إنهاء عمل الأونروا
  مصر اليوم - الأمم المتحدة ترد على إعلان إسرائيل إنهاء عمل الأونروا

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon