توقيت القاهرة المحلي 10:43:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن

  مصر اليوم -

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن

بقلم : ريما شهاب

إثر الأزمات المتواصلة التي يمرّ بها لبنان أتى الانهيار الاقتصادي في منتصف شهر تشرين الأول (اكتوبر) 2019 ومع بداية الثورة اللبنانية ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير، لينقسم الرأي العام اللبناني إلى قسمين الأول بات يؤمن بأن البحث عن الأمل في هذه البلاد هو تماماً مثل من يحاول أن يسقي وردةً في بيتٍ يحترق، والثاني يعتبر أن الوطن ليس فندقاً نغادره كلما شعرنا بالتعب أو بالسأم.

لم أكن يوماً ممن يحبون أو يسعون إلى الرحيل والبحث عن حياة أخرى في مكان آخر، لم أكن أريد أن أترك ذكرياتي وأدير ظهري وأرحل، ولا أن أترك الأشخاص الذين أحبهم كالعائلة والأصدقاء، ولا الأمكنة التي اعتدتها وأغادر لبناء ذاكرة جديدة في مكانٍ بعيد. كانت مجرد الفكرة تشعرني بالغربة والوحدة والكثير الكثير من الحنين، كيف أترك بيروت وشوارعها ومقاهيها، كيف أغادر بيتي وغرفتي وكتبي، كيف أحيا بعيداً عن العائلة والأحباء والأصدقاء، كان الرحيل شبيه بالانفصام كأن تترك بعضك لتحمل بقاياك وتغيب.
اليوم لا أعلم ما الذي تغير بي مثل كثيرين من حولي حتى بتنا نرى أن النجاة تكمن في الانتماء لمكان يعيد إلينا شعور الطمأنينة والأمان والراحة الفكرية والنفسية، أصبحنا مستعدين لبناء ذاكرة جديدة في مكان يشبه تطلعاتنا ممّا نحتاج في علاقتنا بمسمّى الوطن. منذ ولادتي التي أتت بظل حرب أهلية طويلة وتنقل مستمر ما بين المناطق وحتى التنقل ضمن بيروت نفسها ثم الأزمات المتتالية السياسية الأمنية الاقتصادية والمعيشية منها أزمات داخلية وأخرى خارجية وقعت منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى الماضي القريب إلى الانهيار الاقتصادي الحالي الذي فضحته ثورة 17 تشرين الأول وخوف الشعب من فقدان عمله ورزقه ومدخراته أي أمنه المعيشي.
ما الذي يا ترى غيّر شعور الكثيرين من أبناء الوطن بالانتماء إلى المكان، هل التعب من الأزمات المتتالية؟ أم عدم الأمان للمستقبل؟ هل الحاجة إلى الراحة والاستقرار النفسي والمعيشي اللذين يفتقدهما اللبناني منذ أولى أنفاسه؟ أو فقدان الأمل بتغيير ممكن في هذه الجغرافيا الصعبة؟ هل شيئاً يشبه شعور اليتيم بالحاجة إلى وطن دافئ ومطمئن يشبه حضن الأم والأب؟  لقد أصبنا بالغربة في وطننا، أصبنا بالغربة بين ناسنا، كنت أعتقد أن شعور الغربة يصيبك وأنت بعيد فكيف اصبت به في وطني.
منذ ولدت والمشاكل التي نعاني منها هنا هي نفسها، الأحزاب والوجوه التي دمرت البلد هي ذاتها تختال في المراكز الكبرى في الدولة والشعب المقسم طائفياً لا يحاسب بحجة عدم المساس بزعيم الطائفة، لم تُحل أيّ من الأزمات المعيشية، لا تأمين صحّي كما يجب، لا تأمين للشيخوخة، لا تأمين تعليمي رسمي كما يجب، بالإضافة إلى تقنين كهربائي وتقنين في الماء وفي أبسط ضرورات الحياة. بالمقابل نرى غلاء معيشيا فاضحا والمواطن مجبر على تأمين الكثير مما يجب على أي دولة تأمينه. المكان اسوء من أن نطلق عليه مقولة "راوح مكانك" بل انحدار وانهيار كبيرين ولا مسؤول له الجرأة على الاعتراف بمسؤولياته وكأن المكان فُقدت فيه الرجولة والنخوة ولا يسكنه سوى اللصوص والتابعين للخارج.
كنت في السابق أقول إن الغربة تصبح أكثر برودة حين تدفئها يدُ الغريب، أما اليوم فأقول إن الغربةُ أكثر برودة حين تصيبك في حضن وطن.
 
*ريما شهاب كاتبة وأديبة لبنانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس
  مصر اليوم - فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon