توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجغرافيا تقتل لقمان سليم وتخوّن أسامة سعد

  مصر اليوم -

الجغرافيا تقتل لقمان سليم وتخوّن أسامة سعد

بقلم : علي شندب

إثر انفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي، توجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى السلطة بمستوياتها السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية، وبقدر أكبر إلى حزب الله بوصفه السلطة الموازية والناظم العام للسلطة الرسمية من رئاسة الجمهورية الى الحكومة بمختلف وزاراتها وادارتها. فحزب الله بحكم سمته العسكرية الطاغية معني طبيعيا باستيراد نيترات الأمونيوم التي لم يزل أبويها مجهولين.

وكلنا يذكر كيف أن الأمين العام لحزب الله لم يكتف بإخلاء مسؤوليته بالخصوص، بل أقدم وبشكل غير مسبوق على اللجوء الى القضاء والادعاء على عدد من الشخصيات السياسية الذين اتهموه بالوقوف وراء استجلاب الأمونيوم الى مرفأ بيروت وبالتالي تحميله مسؤولية الانفجار. كما لوّح حزب الله بالادعاء أيضا على عدد آخر من الجهات والشخصيات والاعلاميين للغرض ذاته. تلويح نجح فيه الحزب للأمانة، بدليل تناقص أصوات الاتهام المصوبة عليه وخفوت وتيرتها.

وفي خطوة شكلت سابقة، وجه زعيم حزب الله انتقادا لافتا الى الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية وطالبهم بالاعلان عن التحقيق، وذلك توازيا مع الارتياب الذي أبداه نصرالله تجاه مقاربات المحقق العدلي فادي صوان الذي غلّت يديه عن متابعة التحقيق بانفجار المرفأ، إثر مطالبة وزيري حركة أمل السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر بتنحية المحقق العدلي بسبب "الارتياب المشروع".

عمليا، دخل التحقيق في ثلاجة تجميد أكبر من تلك التي يتطلبها لقاح كورونا الأميركي خاصة، ودخلت معه البلاد في اختناق اضافي بسبب اجراءات التعبئة العامة التي فرضتها الحكومة للحد من انتشار كورونا، وهي الاجراءات التي تفجرت لهبا ونارا مشتعلة كادت تحرق طرابلس وليس فقط السرايا والبلدية.

نيران تقاذف رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة المسؤولية عن إضرامها من فوق وجع فقراء طرابلس وجوعهم. انها البروفة الجدية لنيران آتية قد لا تبقي ولا تذر، ظاهرها لي الأذرع السياسية المتمترسة خلف الأمعاء الخاوية، وباطنها شطب طرابلس التي تصرخ من الجوع والتهميش وبوصفها المدينة المعيقة لإطباق تحالف الأقليات سيطرته المطلقة على الساحل السوري اللبناني الممتد من اللاذقية الى الناقورة كانعكاس تلقائي لميزان القوى المنتصرة أيضا بهزيمة ترمب وخروجه من كرسي البيت الابيض.

ترمب الذي شكلت أيامه الرئاسية الأخيرة حبسا للأنفاس في المنطقة من طهران الى العراق وسوريا ولبنان فضلا عن اليمن بسبب ما تردّد عن ضربة اميركية قاسية، فيما لو نفذت ايران تهديداتها وأذرعها بالثأر لمقتلة قاسم سليماني. إنه الثأر الذي أطفأ محركاته المرشد الايراني علي خامنئي بخلوة عقدها مع الصبر الاستراتيجي.

إنه الصبر الذي أثمر مع ادارة جو بايدن تراجعا عن كثير من الاجراءات والقرارات التي سبق واتخذها ترمب، ومنها إيقاف الدعم الاميركي للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، كما ورفع اسم الحوثيين عن لائحة الارهاب والذي فهمه الحوثيون إشارة اميركية خضراء لاستئناف الحرب وتسعيرها بالصواريخ البالستية والمسيّرات والطائرات المفخّخة، والأهم من ذلك عودة التفاوض حول الملف النووي، وهي العودة المتوقفة على من يخطو الخطوة الأولى. رفع العقوبات الاميركية أولا. أم اعلان ايران عن عودتها للاتفاق أولا. أغلب الظن أن التزامن بين الخطوتين الأميركية والإيرانية هو المرجح الذي بدأ يعكس حجم المتغيرات بل الانهيارات الاستراتيجية في المنطقة ومنها لبنان.

وسط هذه التحوّلات الاستراتيجية أتى الاغتيال الاحترافي المدروس للباحث السياسي لقمان سليم المعارض الأشرس لحزب الله. انه الاغتيال غير المفاجىء إلا في موقعه الجغرافي وهو جنوب لبنان، وتوقيته الاستراتيجي.

انه التوقيت المنتصب على خطوط الزلازل المنطلقة من الانقلاب الذي أحدثه بايدن في الاستراتيجية الاميركية للمنطقة. وهو التوقيت الانتقالي الذي لم تستكمل فيه بعد عمليات التسلم والتسليم للملفات التفصيلية بين فرقاء إدارتي ترمب وبايدن، مع ما يعنيه ذلك من رفع أو تعطيل مؤقت لمظلة الحماية عن حلفاء اميركا وأصدقائها في لبنان ومنهم لقمان سليم.

وبعيدا عن شجب واستنكار وزير الخارجية الأميركي الجديد انتوني بلنكن ونظيره الفرنسي جان ايف لودريان، فقد كان لافتا أن مساعد وزير الخارجية السابق ديفيد شينكر لم يتمكن من كتم حزنه على صديقه لقمان سليم فكتب "ارقد بسلام صديقي لقمان. حزب الله هدّدك، ولكن كلما كانوا يحاولون ذلك لم يخيفوك. أخذوا حياتك ولكنهم لن يأخذوا صوتك ورسالتك". وختم شينكر دموعه بالقول "لبنان للبنانيين وإنقاذ بلدهم أمر يعود لهم".

كلام شينكر وجد تفسيره الأسطع لدى شقيقة لقمان رشا الأمير إذ صرّحت "الإدارة الأميركية الجديدة صغيرة العمر، والكل ينتظر ماذا ستفعل، وعواصم القرار في العالم في حالة عصف أفكار فيما يخص مصير المنطقة، وفي مثل هذه الأوقات حيث تغيب التسويات أحب قتلة لقمان اللعب بالوقت الضائع".

أما جغرافيا، فمسرح الجريمة هو منطقة الجنوب حيث تتمركز قوات الطوارىء الدولية اليونيفل، والتي لا تقتصر مهامها على رصد الخروقات والاعتداءات الاسرائيلية وتعدادها وتنظيم عدم تفاقمها، بل تتعداها الى تسيير دوريات داخل القرى وبين شوارع وأزقة البلدات والمدن جنوبي الليطاني حيث يمنع فيها حمل السلاح ونقله، ما يعني بأن عملية خطف لقمان سليم تشكل خرقا للقرار 1701 وهو الخرق الذي يستوجب وفقا للقرار الدولي مبادرة اليونيفل للتحقيق بالعملية بالتنسيق مع الجيش اللبناني، فيما التحقيق بقتله محصور بالأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية دون اليونيفل لأن عملية القتل نفذت شمالي الليطاني.

الجنوب الذي تعتبر القدم ما فوق العليا فيه لحزب الله الذي ألغى وجود فصائل مقاومة لبنانية وطنية واسلامية مماثلة له وأقصاها عن أرض الجنوب، فكيف له أن يتحمل شخصا مثل لقمان سليم يناهض بأطروحاته التي تنتصب حولها خيم الاعتصام في ساحات النبطية وكفررمان فضلا عن الضاحية وبيروت كل سياسات حزب الله ويعتبره العمود الفقري لمنظومة الفساد وتقويض الدولة في لبنان.

الجنوب الذي رغم اتساعه وتنوعه الطائفي والسياسي والفكري، يبدو أن الحزب صيّره "غيتو" خاص به، فهو لم يعد يسمح بأي صوت يعترض على أدائه، وكلنا يذكر كيف اتهم نصرالله الشيخ ماهر حمود (رئيس اتحاد علماء المقاومة) بممارسة "الأستذة" عليه فرماه بعزل أين منه العزل الكوروني، فقط لأن حمود حذّره علنا من النتائج السلبية لتفاهم مار مخايل، كما وسأله عن تغطية حزب الله لفضيحة الإفراج عن العميل عامر الفاخوري، وهو الإفراج الذي أنكر نصرالله لاحقا معرفته به، انكار كان مدعاة لسخرية الكثيرين.

ورغم أن كل منظومة الدولة وتياراتها السياسية وخصوصا حركة أمل والتيار الوطني الحر إضافة لحزب الله نفسه استنكروا وشجبوا اغتيال لقمان سليم، لكن عقيرة بعض جمهور الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنطق بتكليف وتصمت بإيعاز، لم ترتفع إلا بوجه النائب أسامة سعد فرشقته بسهام التخوين والعمالة والتمنين، فقط لأن رئيس التنظيم الشعبي الناصري أصدر بيانا استنكر فيه الاغتيال السياسي الذي أودى بحياة لقمان سليم.

إنه أسامة سعد الذي قضى والده بالاغتيال السياسي، ثم قضى شقيقه مصطفى سعد وزعيم صيدا بالاغتيال السياسي اياه، فمن هي الجهة التي تمتلك شرعية ومشروعية المزايدة على نضالات صيدا وآل معروف سعد والتنظيم الشعبي الناصري وخصوصا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؟

لعنة الجغرافيا التي قتلت لقمان سليمان، هي نفسها لعنة الجغرافيا التي رُجم بسببها أسامة سعد، وهي نفسها نعمة الجغرافيا التي منعت سيوف التخوين من النيل من حركة أمل والتيار الوطني الحر الذي أقرّ بفشل تفاهم مار مخايل في بناء الدولة.

إنه الفشل الذي وقف ويقف وراء تفجر 17 تشرين، وهو الفشل الذي أجّج عوامل الثورة والغضب عن شرائح لبنانية وازنة، وهو الفشل الذي جعل أكثر من 60% من اللبنانيين تحت خط الفقر، وهو الفشل الذي أشاع الفساد وأدخل نيترات الأمونيوم وفجّر مرفأ بيروت، وهو الفشل الذي يمنع تشكيل حكومة انقاذية، وهو الفشل الذي تسبّب بالانهيار المالي والاقتصادي، وهو الفشل الذي جعل مدينة طرابلس مقبرة للفقراء بعدما كانت أم الفقير، وهو الفشل الذي بسبب تعريته والتصويب عليه اغتيل لقمان سليم.

ورغم أن جواد حسن نصرالله أول من وشى بتبني اغتيال لقمان سليم بتغريدة عارية من كل التباس، يرجح أن يطل حسن نصرالله ليشن هجوما على كل من اتهمه والحزب بتنفيذ الاغتيال، وربما يلجأ الى القضاء مجدّدا بهف الادعاء على من يشوّهون سمعة الحزب وأخلاقه، وربما تشمل الدعاوى البطريرك الماروني بشارة الراعي لمطالبته بحياد لبنان وطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، والنائب أنور الخليل لاستدلاله بالفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.

ما قصده نصرالله بتشويه الأخلاق والسمعة هو اتهامه والحزب بـ "الاتجار بالمخدرات وترويجها". لكن يضيف نصرالله: "‏أن تتكلم في السياسة ما تريده لا يوجد لدي مشكلة، إيران وغير إيران ولبنان والسيادة والحرية ‏والاستقلال والصواريخ والمقاومة والنووي الإيراني قل ما تريده لا يوجد مشكلة". فهل صدق لقمان سليم هذه الـ "لا يوجد مشكلة".. فقتلته؟

بالتأكيد لا، فهذه اللايوجد مشكلة، لم يقلها نصرالله منذ شهر مضى، إلا ليستخدمها لاحقا كدليل على براءة الجغرافيا من دم لقمان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجغرافيا تقتل لقمان سليم وتخوّن أسامة سعد الجغرافيا تقتل لقمان سليم وتخوّن أسامة سعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon