توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر ودرس روسيا الليبي

  مصر اليوم -

مصر ودرس روسيا الليبي

الكاتب علي شندب
بقلم : علي شندب

لطالما غمزت بعض القوى الإقليمية والدولية من قناة روسيا في ليبيا، وحصرت دورها بتواجد مجموعات من "فاغنر" الروسية غير الرسمية، الى جانب الجيش الليبي في قاعدتي سرت والجفرة الاستراتيجيتين.

 لكن الاتفاق المستجد بين روسيا وتركيا، الذي توصل اليه الخبراء الروس والاتراك بعد اجتماعهما في انقره، شكّل إختراقا في جدار الأزمة الإقليمية الدولية في ليبيا وحولها، وهي الأزمة التي على وشك التحوّل الى حرب عنيفة تنبّأ كثير من الخبراء العسكريين بأنها قد تكون الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية.

وقد لفت في الاتفاق الروسي التركي الذي نصّ على "مواصلة الجهود المشتركة لتهيئة الظروف من اجل وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا وإتاحة المجال أم تحقيق تقدم في الحوار السياسي بين الليبيين"، العمل على تشكيل "مجموعة عمل مشتركة".

الإعلان عن الاتفاق الروسي التركي، أتى بعد صمت روسيا وتحفظها الطويل حيال تطورات المشهد الليبي، سيّما بعد ابتهاج تركيا وميليشيات الوفاق المدعومة بمرتزقة تركيا من السوريين وغيرهم، بتدمير مسيّرات بيرقدار لمنظومة "بانتسير" الروسية بانتسير خلال معركة السيطرة على قاعدة "عقبة بن نافع" المعروفة بالوطية.

لكن الذي مهّد الطريق أمام اندفاعة روسيا الدبلوماسية، هو تفويض مجلس النواب المصري للرئيس عبدالفتاح السيسي بالتدخل في ليبيا دفاعا عن أمن مصر والامن القومي العربي، وهو التفويض الذي أتى بعد امتلاك مصر لشرعيات تدخلها في ليبيا بناء على طلب البرلمان الليبي والجيش الليبي ومجلس القبائل والمدن الليبية.

إنه التفويض الذي ولحظة الإعلان عنه بدا كما لو أن القوات المسلحة المصرية أنهت تمركزها فعليا في قاعدتي سرت والجفرة، لتحدث التوازن الاستراتيجي مع الأساطيل التركية وليس مع مرتزقتها السورية وميليشيات حكومة الوفاق غير الوفاقية.

إنه التوازن الاستراتيجي الذي سمح لمصر بالانتقال من رفض كل شروط اردوغان في ليبيا كفكرة "استبعاد خليفة حفتر او عقيلة صالح بناء لرغبة تركية"، الى وضع الشروط مثل "سحب المعدات العسكرية التركية من ليبيا قبل أي حوار".

وهو التوازن الذي سمح للرئيس السيسي والدبلوماسية المصرية بالتحرك النشط والفعال باتجاه الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، المانيا والاتحاد الأوروبي إضافة لدول الخليج العربي ودول جوار ليبيا وخصوصا تونس والجزائر التي أعلن وزير خارجيتها صبري بوقدوم، عقب لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو "أن بلاده لا تتنافس مع المبادرات التي طُرحت لأجل الحل في ليبيا، وأن نهاية الأزمة في ليبيا يجب أن تكون مبنية على الحل السياسي فقط" وأضاف بوقدوم  "إن النيران أصبحت أقرب إلينا وصوتنا سيكون أعلى بما يخص أمننا"، وقد بدا لافتا ومثيرا للاهتمام قول بوقدوم "إن الوضع في ليبيا مسألة أمن قومي بالنسبة للجزائر وتونس ومصر".

إذن وبفعل الغزوة الاردوغانية، بات الأمن القومي العربي لكل من مصر وتونس والجزائر مهدّدا، وهو التهديد الذي يجاهر به قادة الدول الثلاث ويدفعهم الى التطابق في مواقفهم حيال الأزمة الليبية، وهو التطابق القائم على حل سياسي يعيد انتاج سلطة موحدة في ليبيا، ويضمن خروج القوات الأجنبية ومرتزقتها مع الميليشيات المصنّفة إرهابية.

وقد بدا لافتا دعوة مسؤول أميركي كبير "الأطراف الليبية للالتزام بوقف اطلاق النار وتقديم المسار السياسي والاقتصادي وطرد كل القوات الأجنبية من ليبيا". الدعوة لطرد القوات الأجنبية من ليبيا تعني في القاموس الأميركي القوات التركية ومرتزقتها من جهة وقوات "فاغنر" الروسية من جهة أخرى، وهي الدعوة التي تعكس تحوّلا في موقف الإدارة الأميركية، سيّما وأنها استبقت الاتفاق الروسي التركي، الذي يبدو وكأنه يستنسخ اتفاقا مماثلا في ادلب السورية والذي انعكس نقمة على الاردوغان من قبل فصائل سورية معارضة، اتهمت الرئيس التركي ببيعها لأنه استخدمها على نحو سيء، لما يؤمن مصلحة تركيا العليا وليس انتصارا لـ "مظلومية الشعب السوري" كما كان اردوغان يصرح متباكيا.

"البيع" إذن، هو العبارة المرادفة للغدر الذي هو سمة اردوغانية معروفة. والمرتزقة إحدى وريقات اللعب التي سيطرحها الاردوغان على طاولة القمار السياسي عندما تحقّق له العائد الاستثماري المطلوب، او عندما تفرض أنصبة القوة عليه تقديم التنازلات الكاسرة للغرور.

وبعيدا عن لغة البيع والشراء، وربطا بالموقف الأميركي المتحوّل نحو طرد القوات الأجنبية من ليبيا، وبالعودة الى الاتفاق الروسي التركي، يجدر القول أن هذا الاتفاق ما كان ليكون لولا إدراك الإدارة التركية، أن التوازن في ليبيا قد انقلب على رأسا على عقب، وبدون وقبل اندلاع الحرب مع مصر. ربما لأن تركيا كما الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، قد أدركوا ولو متأخرين أن لروسيا ثأرا مضاعفا معهم وتحديدا في ليبيا، وهو الثأر الذي لطالما عبّر عنه بوتين ووزيره لافروف وبمرارة لافتة تكرارهما القول "لقد تعلّمنا من الدرس الليبي".

 إنّه الدرس المرادف للغدر أيضا. وهو الغدر الذي تعرضت له روسيا في ليبيا عشية صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، والذي دفعت قطر لاستصداره الكثير لكل من ساركوزي واوباما، وأيضا لحلف الناتو الذي تجاوز منطوق القرار في تطبيقه من "حماية المدنيين" الى تدمير الدولة الليبية القذّافية الحليفة للاتحاد السوفياتي وروسيا البوتينية.

وقد عمّد هذا التحالف تعاون استراتيجي امتد لأربعة عقود بين المجمع الصناعي العسكري الروسي والجيش الليبي الذي تعتبر عقيدته القتالية روسية، تسليحا وتدريبا وتجهيزا، ما يعني ضمنا أن ضباط الجيش الليبي بغالبيتهم الساحقة ومنهم خميس القذافي من خريجي الكليات والأكاديميات العسكرية الروسية، كما يعني أيضا ان روسيا تتمتع بتأييد أكبر حيثية شعبية في ليبيا، وهي الحيثية التي توفر لبوتين حاضنة شعبية أكبر ممّا يوفره الاخوان والكراغلة لاردوغان تركيا، وهي الحيثية التي كانت من ضمن الأسباب التي تقف وراء قرار تركيا في ابرام اتفاقية مع روسيا حول ليبيا.

وبالعودة الى مطالبة واشنطن وكما صرح الجنرال كينيث ماكينزي بخروج كل القوات الأجنبية من ليبيا. أي القوات التي يتحالف معها الليبيون شرقا وغربا، فإنها المطالبة التي تعني أن الأميركيين مصابون بإحراج مزدوج:

الأول، مع تركيا بوصفها ذراعهم الضاربة داخل حلف الناتو، حيث يجيد ترامب استخدام اردوغانها بهدف ترويض شركائه الأوروبيين في الناتو وابتزازهم ماليا لحمايتهم.

الثاني، مع مصر بوصفها مركز ثقل استراتيجي وحليف هام لواشنطن في الشرق الاوسط بشكل عام.

وبالتوازي مع هذين الاحراجين استكمل طرفا المواجهة في ليبيا تحشيداتهما المتقابلة على محوري سرت والجفرة. وقد بدا إعلان الناطق باسم الجيش الليبي اللواء احمد المسماري عن إسقاط مسيّرة تركية في منطقة وادي جارف قرب سرت، وكذلك توعّد قائد البحرية في الجيش الليبي، تركيا باستهداف أي قطعة معادية تدخل المياه الإقليمية لبلاده، مؤشرات قوية على قرب اندلاع المواجهة، تزامنا مع جهود دبلوماسية إقليمية دولية لمنعها.

ممّا تقدم يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل تتحمل الإدارة الأميركية المنهمكة في قص أصابع ايران، وليس فقط تقليم أظافرها في المنطقة، اندلاع حرب كبرى بين حليفيها المصري والتركي؟.

صحيح أن ساعات الأيام المقبلة، تجيب على السؤال أعلاه، لكن الصحيح أيضا أن لموقف واشنطن النهائي تداعيات جيواستراتيجية كبرى ستنعكس بالضرورة تصدعا إضافيا داخل منظمة حلف شمال الأطلسي، كما ستنعكس على وحدة الاتحاد الأوروبي، وهي التداعيات التي ستبرهن أكثر أن موسكو تعلمت من الدرس الليبي لدرجة اعتبارها، أن ليبيا بالنسبة لروسيا هي بمثابة قرم افريقيا.  

*علي شندب محلّل سياسي لبناني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر ودرس روسيا الليبي مصر ودرس روسيا الليبي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة

GMT 15:20 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

لينوفو تطرح 3 أجهزة Chromebook جديدة مخصصة للمدارس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon