توقيت القاهرة المحلي 07:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حزب الله والترسيم مع إسرائيل

  مصر اليوم -

حزب الله والترسيم مع إسرائيل

بقلم - علي شندب

بلع رئيس المجلس النيابي نبيه بري كل أدبيات وعبارات ومفردات المقاومة خلال إعلانه عن "اتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل". بل ويمكن القول مسحها بجرة لسان.

فإعلان "اتفاق الإطار" كان فصل الخطاب الحقيقي الذي جرى على لسان نبيه بري رئيس حركة أمل وتوأم زعيم حزب الله، عاريا من كل أدبيات المقاومة. فغاب عن فصل الخطاب عبارات: العدو الإسرائيلي، العدو الصهيوني، الصهاينة، الاحتلال الإسرائيلي، الاحتلال الصهيوني، القدس الشريف، القدس المحتلة فضلا عن فلسطين المحتلة. كما حضر في فصل الخطاب إياه عبارات: إسرائيل، الإسرائيليين، حكومة إسرائيل، الحدود الإسرائيلية.

إنه الخطاب الرسمي اللبناني المقاوم والمتماهي مع الخطاب العربي المطبع مع إسرائيل. الخطاب الذي يشكل ولأول مرة اعترافا بالكيان الإسرائيلي وعلى لسان نبيه بري وبموافقة الجميع من رئيس الجمهورية إلى آخر لبناني، أي باختصار بموافقة حسن نصرالله بيت قصيد هذه الأدبيات، وصاحب الكلمة ما فوق العليا في اتفاق إطار ترسيم "الحدود اللبنانية الإسرائيلية".

هذا ما حضر وما غاب في خطاب بري الترسيمي. وبعد يومين استعاد بري الأدبيات المقاومة التي أسقطت عمدا لا عفوا من خطاب الترسيم، وعاد ليبيع الماء في حارة السقايين، ويسمع الملأ ما اعتادت الناس وأحبت سماعه. فتحدث عن فلسطين والقدس بكونهما قطعة من السماء لا قطعة من الأرض.

مع هذا، فإعلان الاتفاق الإطاري كان له وقع آخر في البيئة الوطنية عامة، وبيئة الثنائي الشيعي وحزب الله خاصة، فمن الناحية العملية ثمة شرخ وجرح أحدثه إعلان بري بدء مفاوضات الترسيم في وجدان جمعي، كما وفي أدب المقاومة وفكرها لكل البيئات المقاومة التي لم تستسغ هذه العبارات التي هبطت فجأة من فوقها وبموافقة مسبقة من حزب الله وزعيمه نصرالله.

أما في الأروقة والصالونات المسيحية فقد اعتبر إعلان بري تعديا على صلاحيات رئيس الجمهورية. الصلاحيات التي رشق نصرالله بالأمس رؤساء الحكومة السابقين بتهمة التعدي عليها. لكن بري وبشطارته المعهودة قال بأنه "آخر من يخالف الدستور الذي يعطي لرئيس الجمهورية الحق في المفاوضات والاتفاقات الدولية، وما جرى هو اتفاق إطار، كالذي يدلك على الدرب التي يجب أن تسلكها فقط".

فالمشرّع نبيه بري كما يعرف أن الدستور اللبناني لا ينص على أن اتفاق الإطار من صلاحيات رئيس الجمهورية. يعرف أن الدستور لا يخوله ولا يمنعه كرئيس للبرلمان التفاوض على مثل هذا الاتفاق. لكن رئيس البرلمان اللبناني الذي هو أيضا رئيس حركة أمل توأم زعيم حزب الله الذي صنع رئيس الجمهورية وأسكنه في قصر بعبدا، يملك بصفته هذه التخويل اللازم لإجراء ما يلزم.

من هذه الزاوية من التحكم بالحكم يمكن النظر الى تفسير نبيه بري: "إنه اتفاق إطار". أي اتفاق على الاتفاق، وخارطة طريق، كما وأنه دليل رئيس الجمهورية والفريق اللبناني المفاوض على الدرب التي يجب أن يسلكوها، وأن يسيروا بهديها، وألا يحيدوا عنها قيد أنملة. وفي هذا تتجلّى صلاحيات رئيس الجمهورية كما يرسمها ثنائي بري نصرالله.

وتوازيا مع إعلان وزير الخارجية الأميركي مارك بومبييو ووزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، موافقتهما وترحيبهما بإعلان بري عن اتفاق الإطار فقد كان مثيرا للاهتمام التغريدة التي أطلقها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وفيها ".. هذه المرة علينا أن نفاوض لا على الطريقة الفارسية، ولا على الطريقة العربية، بل على طريقتنا اللبنانية.. ".

صحيح أن استخدام باسيل عبارة "الطريقة الفارسية" توحي وكأن الرجل بات من أشد مناهضي ولاية الفقيه والحرس الثوري الإيراني عداوة. لكن الصحيح أيضا، أن الرجل الذي لطالما بشّرنا أن لبنان بات دولة نفطية، وخابت مساعيه الطاقوية خصوصا في الكهرباء، أراد بهذه العبارة التزلّف لديفيد شينكر علّه يقيه سيف العقوبات الأميركية المسلط. كما أراد الإيحاء لدور سابق له في ملف الترسيم خلال إشغاله وزارة الخارجية وفشله مع رئيس الجمهورية من انتزاع الملف من "البلطجي" نبيه بري الذي كما باسيل جحّظ ابتعاده عن الفرس دون تسميتهم، عبر تأكيده على الضمانة التي يمثلها المرجع الشيعي علي السيستاني لحماية وحدة العراق.

جدير بالذكر أن بري وفي معرض الرد على العقوبات الأميركية التي استهدفت مساعده وساعده الأيمن علي حسن خليل، وأيضا يوسف فنيانوس مساعد رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، قد اشتكى من تأخر الأميركيين في تحديد موعد الإعلان عن اتفاق الإطار، متجاهلا أن واشنطن أخرت الإعلان لأنها تريده في التوقيت الأميركي تماما، أي بعد انتهاء الإدارة الأميركية من انشغالها بمراسم التوقيع على اتفاقيتي تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل.

فقد أراد التوقيت الأميركي للإعلان عن الاتفاق أن يشي وكأن لبنان بات جزءا من مناخ التطبيع في المنطقة رغم نفي بومبييو ومساعده شينكر لذلك. لكنه التوقيت الذي يصب في مصلحة المرشح دونالد ترامب الانتخابية قبيل إصابته بفايروس كورونا، وذلك بهدف إظهار الدور القيادي المتقدم الذي يلعبه ترامب في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

فهل تعمّد الثنائي الشيعي وخصوصا حزب الله ظهيرة انقضاضهما على المبادرة الفرنسية بوصفها المبادرة الوحيدة المطروحة لإنقاذ الاقتصاد اللبناني من ما بعد الانهيار، تقديم هدية ثمينة للإدارة الأميركية أو "الشيطان الأكبر" عند اللزوم؟

بدون شك دلّت التطورات التفاوضية، أن تقديم التنازلات للأميركيين بوصفهم الأصل المقرّر في مستقبل المنطقة، أكثر جدوى وفاعلية من تقديمها للفرنسيين بوصفهم الفرع المتفرع من الاستراتيجية الأميركية، الذين وفي أحسن أحوالهم يعقدون مؤتمرا على غرار "سدر" يتسوّلون فيه مساعدات لأجل لبنان. في حين أن الأميركيين يستلون حاليا سيوف العقوبات التي قد تتحول في مرحلة لاحقة إلى هدير للأساطيل والبوارج حول لبنان وفوقه.

وبحسب ديفيد شينكر الذي يمثل بلاده خلال مفاوضات الترسيم في الناقورة فإن الولايات المتحدة ستستمر في تصنيف الأفراد الذين هم حلفاء حزب الله في لبنان، وأيضا في تصنيف أشخاص بسبب الفساد بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي.

لكن جديد العقوبات، هو التشريع غير المسبوق الذي قدمه رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في مجلس النواب الأميركي النائب جو ويلسون، لفرض عقوبات موضعية تستهدف مناطق جغرافية محددة داخل لبنان، وتطال مصارف صديقة ضمن مناطق نفوذ الحزب، وستشمل العقوبات في حال إقرارها سياسيين أجانب ثبت تعاملهم مع حزب الله، كما وفي المثلث الحدودي الذي يضم الأرجنتين والبرازيل والبارغواي.

رغم هذا فإن حزب الله الذي يعي حجم المخاطر الوجودية المحدقة به، لم يتلقف انتفاضة الشعب اللبناني التي انطلقت على امتداد لبنان في 17 تشرين وهي متواصلة حتى اليوم وتتهيأ لإحياء سنويتها الأولى، وأشاح بنظره عن صرخات الجموع اللبنانية ضد الفقر والوجع وسلطة النهب المنظم وميليشيا المال والسلطة والفساد، كما أن نصرالله تهدد الانتفاضة وتوعدها ومنعها من إحداث التغيير المنشود المتمثل بكنس طبقة سياسية تعتاش من الفساد الذي لم يبق من الدولة غيره.

إنه الفساد الذي تبين للناس أن حزب الله راعيه وحاميه والمدافع الأول عن سلطته الحاكمة والمتحكمة بمقدرات الناس ومستقبلهم وصحة أطفالهم قبل كورونا ومعها والمحكومة من كبيرها إلى صغيرها من قبل حزب الله الذي سبق وأطلق بعض غضب مكبوت لبعض بيئته بهتاف "شيعة شيعة" على المتظاهرين في ساحات بيروت والجنوب وبعلبك.

كسر الناس حواجز الخوف من حزب الله، بعدما افتقد احترامهم. ونظموا احتفالية غضب شنقوا وأحرقوا فيها مجسمات كرتونية لحسن نصرالله ونبيه بري وميشال عون. تماما كما فعلت ثورة تشرين العراقية بأعلام إيران وبصور ومجسمات خامنئي وخميني وسليماني ومن في حكمهم.

إنه غضب الجموع من منظومة الأمونيوم والفساد والنهب المنظم الذي استنزف مقدرات العباد والبلاد. رغم هذا فكبيرة على حزب الله أن يتنازل للشعب اللبناني وينضم الى صفوفه، وبالحد الأدنى الوقوف على الحياد بين الشعب اللبناني وطغمة الفساد.

لكنها ليست كبيرة أن ينسف بلسان نبيه بري كل أدبيات الصراع مع إسرائيل العدوة التي أخذت تكشف عن بعض مخزوناتها المعلوماتية حول مخازن ومصانع وصواريخ حزب الله في هذه المنطقة أو تلك من الضاحية الجنوبية ومحيط مطار بيروت المرشح لأن يصبح على مثال وصورة مرفأ بيروت جراء الانفجار الهيروشيمي الذي أصابه ولم يشف لبنان بعد من تداعياته وجراحه الغائرة.

لكن قطار حزب الله وواجهته الحالية نبيه بري قد انطلق على سكة التنازلات حماية من المخاطر المحدقة، التي مهّد لها نصرالله في كلمته ليلة عاشوراء الماضية، عندما استحضر وبشكل مفاجئ "شجاعة الإمام الحسن" الذي سبق وأجرى الصلح مع معاوية بن أبي سفيان وفتح الطريق أمامه كي يصبح الخليفة، وقال "نصرالله إن صلح الحسن هو الذي حفظ الإسلام سنة 41 للهجرة".. وقد كشف نصرالله عبر خطابه العاشورائي هذا عن تحول سياسي تكتيكي كبير ينفذه حزب الله يرجح أن يكون ملف الترسيم مع إسرائيل من بركاته، علّه يدرأ بعض المخاطر الوجودية الوشيكة التي تتهدده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حزب الله والترسيم مع إسرائيل حزب الله والترسيم مع إسرائيل



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon