توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حذارِ من الحرب الأهليّة في فرنسا

  مصر اليوم -

حذارِ من الحرب الأهليّة في فرنسا

بقلم :عوني الكعكي

في جلسة خاصة مع مجموعة من المثقفين الفرنسيين، تفاهمت معهم رغم عدم إجادتي اللغة الفرنسية، لأنهم كان يجيدون اللغة الإنكليزية التي كانت وسيلة التخاطب بيننا في تلك الجلسة... راحوا يشرحون لي معنى «العلمانية» وأفاضوا بالحديث عن الحرية، ليؤكدوا لي وللحاضرين بأنّ الرسوم الكاريكاتورية لا تعني شيئاً مسيئاً... ففي فرنسا -والقول لهم- عمد البعض الى رسم صورة مسيئة للسيّدة العذراء. وفي محاوة ثانية رسم أشخاص صوراً مسيئة للسيّد المسيح... ولم يعترض عليهم أحد ولم تقم الدنيا على رؤوس الرسامين ومن لفّ لفّهم..
هنا تذكرت ما كنت قرأته للمؤرخ الفرنسي المعروف روبير فوريسون من أنه أبدى رأياً في الهولوكوست، فهاجمه طلبة يهود، وكسروا أسنانه وأصابعه وكان ذلك في العام 1990. وظل فوريسون في غيبوبة مدّة شهرين... وبعد شفائه، سُجن ثلاثة أشهر مع غرامة قدرها 120 ألف فرانك، وفُصل من الجامعة، وسحبت كتبه، ومنعت استعمالها أغلب دول أوروبا. فاضطر المؤرخ الفرنسي روبير أن يبقى في إقامة جبرية في منزله نتيجة تلقيه تهديدات بالقتل من قِبَل متطرفين يهود بعد رفض الشرطة الفرنسية توفير الحماية له الى حين وفاته عام 2018 عن 89 عاماً، وَمُنِعَ طلابه من حضور جنازته خلال مراسم دفنه. هذا الخبر موجّه للذين صدعوا رؤوسنا بحرية التعبير من أبناء جلدتنا، وللذين خُدِعوا بشعارات الغرب... فحبذا لو اطلعوا على التاريخ.
نعود الى بداية حديثنا -أنا وأصدقائي- حول عملية قطع رأس أستاذ تاريخ في باريس اسمه صامويل باتي (47 عاماً) قرب المعهد الذي يدرّس فيه، في منطقة هادئة في الضاحية الغربية بباريس، بعد أن كان المدرّس قد عَرَضَ على تلاميذة رسوماً كاريكاتورية للنبي محمد. وفي وقت لاحق، قتلت الشرطة الفرنسية المهاجم الشيشاني عبدالله أنزوروف بالرصاص، على بعد بضعة شوارع من مكان الحادث...
أعتقد منطقياً أنه كان على الحكومة الفرنسية معاقبة المدرّس عقاباً شديداً، فتكون بهذه العقوبة قد سحبت الذريعة من يد الشيشاني «القاتل» وبعض المتطرفين أمثاله. ولكن ما الذي حدث؟
لقد قضت محكمة فرنسية، بسجن طالبة تبلغ من العمر 19 عاماً أربعة أشهر مع وقف التنفيذ، بعد إدانتها بتهمة «تمجيد الإرهاب». وكتبت الطالبة التي تدرس البيولوجيا أنّ استاذ التاريخ صامويل باتي الذي قُتِل بقطع رأسه كان يستحق الموت.
إنّ دراسة موضوعية لحركات التطرّف التي انتشرت وللأسف الشديد بكثرة، تؤكد أنّ لهذه الحركات أسباباً رئيسة أهمها:
أولاً: الفقر في البلاد الاسلامية بشكل عام، وهنا أعني مثلاً الباكستان واليمن والسودان وبعض دول افريقيا.
ثانياً: الظلم، وهنا أعني الظلم الذي مارسه ويمارسه الاسرائيليون بحق الشعب الفلسطيني، حيث جاؤوا من أقاصي العالم، وبمؤامرة دولية دبّرتها بريطانيا من خلال «وعد بلفور» الذي كان وعداً لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وقتل الشعب الفلسطيني الآمن في بيوتهم وطردهم من أراضيهم وبيوتهم ومزارعهم بالقوة المسلحة. وهذا ما سبب العمليات الانتحارية التي قام بها الشبان الفلسطينيون الذي دفعهم القهر والظلم الاسرائيلي الى هذه الأعمال.
ثالثاً: العلم، وهنا لا بد من قول الحقيقة إنّ معظم أبناء هذه المجتمعات في البلاد التي ذكرت، غير متعلمين، وهذه نقطة مهمة حيث أنّ من السهل جداً عبر أي «شيخ» أو رجل دين أن يؤثر عليهم ويعدهم بالجنة وبالآخرة، فيصدقون فوراً. وهنا نتذكر أنه في حرب الـ8 سنوات بين إيران والعراق، أعلن نظام الملالات في إيران خلال الحرب على العراق نظرية «التشييع» وأنّ الايرانيين أصحاب مشروع تشييع العالم الاسلامي، حيث كان الشبان الايرانيون يلبسون أكفانهم ويذهبون للقتال على الجبهة لأنّ آية الله الخميني وعدهم بالجنة مباشرة لأنهم شهداء.
نعود الى جلستنا لنقول إنّ الحرية لا يمكن أن تكون مطلقة لأنّ لكل شيء في هذه الحياة حدوداً، ولو تصرفت الحكومة الفرنسية كما يجب وعاقبت الاستاذ صامويل لكنا قد وفّرنا على فرنسا وعلى الفرنسيين حرباً أهلية بدأت ولا أحد يعلم كيف ستنتهي؟
التطرّف يولد من رحم القهر والظلم والتخلّف والحرمان.
أتذكر ما حدث في بنغلادش يوم أمس بالتحديد حين هاجمت مجموعات متطرفة رجلاً متهماً بتدنيس القرآن الكريم، وظل الرجل يتلقى اللكمات حتى فارق الحياة...
وأتذكر ما حدث أيضاً في نيس، حيث تسارعت الأحداث في فرنسا كما ذكرنا بعد مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح آخرين، في هجوم بالسكين داخل كنيسة، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى عقد اجتماع أمني طارئ رفيع المستوى لبحث تداعيات حادث الطعن. واعتبر وزير الداخلية الفرنسي أنّ بلاده في حالة حرب مع إيديولوجية الاسلاميين المتشددين.
أختم لأقول وبكل صدق وموضوعية إنّ العنف يولّد العنف، ومعاملة المسلمين في فرنسا وكأنهم إرهابيون بالجملة أمر لا يجوز. ففرنسا التي لم يكن فيها مسجد واحد حتى عام 1951 بخلاف مسجد باريس الكبير، صارت تضم 2260 مسجداً. كما ان عشرة بالمائة من تعداد سكان فرنسا هم من المهاجرين من بينهم 6 ملايين مسلم.
هذه الدولة التي استقبلت بكل تسامح من سنة 2000 حتى 2017 حوالى 1.5 مليون مهاجر 87% منهم من بلدان إسلامية، وفيها جامعات تدرّس الاسلام وتاريخ الشرق كجامعة بروفانس، أفينون، بوردو بخلاف باريس والسوربون. دولة كهذه لا يجوز ومن غير المقبول أن تنزلق الى متاهات حرب أهلية، ليست من مبادئها، فكل الأمور تُـحَل بالحكمة والتأني والعقلانية...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حذارِ من الحرب الأهليّة في فرنسا حذارِ من الحرب الأهليّة في فرنسا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon