بقلم :عوني الكعكي
لا أعلم ما الذي دفع إسماعيل هنيّة للقيام بزيارة لبنان في هذا «التوقيت» بالذات ووسط هذه الظروف التي يمر بها اللبنانيون وهم ينتقلون من أزمة الى أزمة أكبر منها.
وهنا لا بدّ من التساؤل: هل قام هنيّة بزيارته هذه، ليخبرنا أنه حليف «الحزب العظيم»، وأنّ علاقته بإيران جِدّ مميّزة؟
إنّ زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في هذه الأوقات الصعبة، وما نُسِب إليه من كلام، أوحى بأنّ لبنان بات بعد الزيارة ساحة بديلة، أو أنّ أحداً حلّ محل اللبنانيين في تقرير مصيرهم.
إنّ الزيارة ليست في مصلحة لبنان، ولا تصب أيضاً في مصلحة الفلسطينيين الذين يقيمون بين إخوانهم... والدخول عنوة في لعبة المحاور، لا يجلب إلاّ الكوارث.
لم نصدّق أننا بدأنا ننسى تداعيات الاجتياح الإسرائيلي وما خَلّفه في لبنان من آثار تدميرية، وحصار لبيروت بغيض استمر أكثر من 100 يوم... ومَن منا لا يتذكر الطائرات الاسرائيلية وهي تقصف بضراوة الجسور، أو ما قام به أسطولها البحري من هجمات ظلّت راسخة في أذهان اللبنانيين طيلة السنوات التي أعقبت ذلك العدوان المشؤوم.
أيمكن أن يتجاهل أحد ما قامت به دبابات العدو، وما فعلته إسرائيل بنا بحجة المقاومة الفلسطينية يومذاك؟
ولنكن صادقين مع أنفسنا، فإنّ ما حصل كان بسبب المؤامرة العربية المتمثلة في فرض «اتفاق القاهرة» عام 1969 على لبنان والذي أبقى البلد بلا حكومة أكثر من تسعة أشهر. لقد سبّب الاتفاق شرخاً بين المسلمين والمسيحيين، ظهرت اثاره في ما بعد بين اللبنانيين، فولّد خلافات انحدرت الى مستويات مذهبية وطائفية عانى لبنان منها الأمرّين.
وحده العميد ريمون إدّه رحمه الله، رفض الاتفاق المذكور، في حين تغاضى عنه كل من الرئيس كميل شمعون ورئيس حزب الكتائب بيار الجميّل.
وعلى ما يبدو فإنّ هنيّة اليوم، لم يكفه أنه وبسبب مواقفه العنترية والبطولية رفض كل شيء، فعرقل مشروع الوحدة الفلسطينية ضمن سلطة واحدة... وجعل لإسرائيل حجّة للإدعاء بأنّ الفلسطينيين لا يريدون السلام.
ولنذكّر إسماعيل هنيّة بـ»اتفاق مكة» بين «حماس» و»فتح»، والذي وقّع في 8 شباط/ فبراير من العام 2007، بعد مداولات تم الاتفاق بعدها على إيقاف الإقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن الاتفاق انهار مع أحداث منتصف حزيران في قطاع غزة من العام نفسه، أحداث انتهت الى أن تؤول السلطة في القطاع الى حركة حماس. ونسأله بكل موضوعية: هل كان هو ومن معه مخلصين لـ»اتفاق مكة»؟ ولماذا غيّروا نظرتهم، وهل كان هذا التغيير نتيجة قناعة شخصية أم أنه نتيجة إملاءات خارجية..؟ ومَن هي هذه الجهات الخارجية؟؟
لقد كان الانقلاب المدبّر على منظمة التحرير الفلسطينية الإسفين الذي دُقّ في نعش الدولة الفلسطينية التي شكّلت في يوم من الأيام أملاً للفلسطينيين.
اليوم، يعيش لبنان مخاضاً صعباً حلّ عليه بقدوم جائحة «كورونا» المستجدة والتي أنهكت الاقتصاد اللبناني، وقضت على تطلعات اللبنانيين ومستقبلهم. كما حلّت بلبنان كارثة أخرى أشد هولاً، تمثلت بانفجار المرفأ، وما تبعه من خلاف سياسي وفراغ بعد استقالة حكومة دياب وتكليف مصطفى أديب...
ألا يكفينا ما نعيشه من مآسٍ، حتى ان الدولار لامس العشرة آلاف ليرة، ما فرض علينا وضعاً إقتصادياً مهترئاً تمثل في عدم تسديد اليورو بوند، وفي نزع الثقة التي كانت موجودة بين المصارف اللبنانية والمصارف العالمية.
إنّ سمعة لبنان في الحضيض... فماذا فعلت زيارة هنيّة وسط هذه الأوضاع المتردّية؟
كنا نتمنى ألاّ تتم الزيارة التي لا طعم لها ولا رائحة إلاّ زيادة البلاء والعودة بالويل على الفلسطينيين المقيمين الذين يعيشون بطمأنينة بين إخوانهم اللبنانيين.
ماذا يريد إسماعيل هنيّة بعد هذا كله..؟
أيريد إشعال فتنة تؤدي أولاً وأخيراً الى تشريد الفلسطينيين مرة ثانية.. الأولى من فلسطين والثانية من وطنهم الثاني لبنان؟
كلمة أخيرة نوجهها الى هنيّة وأردوغان وغيرهما، وأخصّ بالذكر كل من تسوّل له نفسه اللعب بمصير اللبنانيين.. وأقول: كفانا الله شرّ الفرس ومَن لفّ لفهم، وأستحلفكم بالله... أن «حلّوا عنا».