توقيت القاهرة المحلي 05:51:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حربُ أكتوبرَ المجيدةُ ومعركةُ سيفِ القدسِ العظيمةُ

  مصر اليوم -

حربُ أكتوبرَ المجيدةُ ومعركةُ سيفِ القدسِ العظيمةُ

مصراليوم
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كأنهما كانتا على موعدٍ واحدٍ وقدرٍ مشترك، فالأولى كانت يوم العاشر من شهر رمضان، والثانية كانت يوم العاشر من شهر آيار، وكلتاهما صدمتا العدو وفاجأتاه، وأوجعتاه وآلمتاه، وتركتاه يترنح ويتطوح، وأدخلتا شعبه قسراً إلى الملاجئ والبيوت المحصنة، وعطلتا الحياة العامة فيه، وأوقفتا عجلة الاقتصاد ومرافق العمل، وأحدثتا في جبهته الداخلية تهتكاً، وفي مؤسسته العسكرية تصدعاً، واستطاعتا أن تثبتا بصراحةٍ ووضوحٍ، أن جيش العدو يمكن أن يكسر ويهزم، وأن كيانه يمكن أن يفكك ويزول، وأنه أضعف من أن يصمد، وأوهى من أن يبقى، وأنه بلا دعمٍ خارجي ضعيفٌ، وبلا سندٍ دوليٍ مهزومٌ، فقد علا صوته في الحربين مستغيثاً، ونادى خلالهما طالباً الهدنة ومستعجلاً وقف إطلاق النار.
 
أثبتت الحربان المجيدتان، العاشر من رمضان وسيف القدس، أننا نحن الأقوى والأقدر، وأننا نحن الأفضل والأجدر، وأن أبناءنا يتفوقون على جنود العدو ويغلبونهم، وأنهم جديرون بالثقة ويستحقون التقدير، فهم صُبُرٌ في الحربِ وصُدُقٌ عند اللقاء، وقد أحسنوا الإعداد وأجادوا التدريب، وصدقوا الوعد وثبتوا على الأرض، واستعدوا للقتال وتأهبوا للهجوم، وأعدوا العدة وراكموا السلاح، ونَوَّعوا وسائلهم القتالية وطوروا صواريخهم الهجومية، وأثبتوا لأمتهم العربية والإسلامية، وللمراهنين عليهم والمؤمنين بهم، أنهم يستحقون النصر ويستأهلون الحياة، وأنهم يستطيعون هزيمة العدو وردعه، وتهديد مشروعه وتفكيك كيانه، وأنهم باتوا قادرين على إعادة كتابة التاريخ من جديد، ورسم خرائط المنطقة مرةً أخرى، وإعادة تنظيمها بدون إسرائيل وبلا وجودها.  
 
حرب أكتوبر كانت حرباً عظيمةً، لا نقلل من شأنها ولا نخفف من وقعها، فقد كادت جيوشنا العربية أن تصل إلى تل أبيب وتدكها، وتخرج المستوطنين منها وكلَ المحتلين لأرضنا، وتستعيد الأرض العربية ومعها فلسطين التاريخية، التي باتت الطريق إليها ممهدة وسهلة، وكثافة نيران قواتنا الموحدة تصلها، فقد انهار جيش العدو ولم يعد يستطيع صد الجبهات ومواجهة الجيوش، وأدرك على أنه أبواب الهزيمة والسقوط، لولا أن تدارك المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية لنجدته، وهبوا جميعاً لمساعدته، وهددوا بالتدخل السريع، وتوعدوا بتغيير حاسمٍ لمسار الحرب.
 
معركة سيف القدس كانت على العدو قاسية ومؤلمة، فقد هددت المقاومة الفلسطينية العمق الإسرائيلي كله، وأدخلت جبهته الداخلية كلها في أتون المعركة، وشعر بها المستوطنون جميعاً، وباتت المنطقة كلها على أبواب تغيير محتملٍ وخلطٍ للأوراق متوقعٍ، فاستبد القلق والخوف بالعدو وأدرك أن القادم أخطر، فاستبق المفاجئات التي يخشاها باستغاثةٍ دوليةٍ وإقليمية لوقف إطلاق النار، والتوصل إلى هدنةٍ توقف الانهيارات الدراماتيكية غير المتوقعة، على الرغم من أنه لم يحقق أهدافه، ولم يصل إلى غاياته التي كان يتطلع إليها قبل كل حربٍ يخوضها ويخطط لها، حيث كان يأمل ترميم جيشه، واستعادة الثقة في مؤسسته العسكرية التي اهتزت واضطربت، وما عادت قادرة على الحسم السريع أو كي الوعي المستدام.
 
حرب العاشر من رمضان التي انتصرت فيها الجيوش العربية عسكرياً، لم تؤت ثمارها السياسية المرجوة، بل على العكس من ذلك، فقد ازلقت مصر وهي أكبر الدول العربية وأقواها، وصاحبة الانتصار المجيد والمفاجأة العظيمة، إلى مسار التسوية السياسية البغيض، الذي بدأ بزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى مدينة القدس المحتلة، وانتهى بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بينها وبين الكيان الصهيوني عام 1979، الأمر الذي مهد لخروج أكبر وأقوى دولة عربية من دائرة الصراع مع العدو الإسرائيلي، مما أضعف الجبهة العربية ومزق صفوفها، وشتت جهودها وأفقدها القدرة على التأثير الكبير.
 
ها نحن اليوم أمام انتصارٍ شبيهٍ وواقعٍ مماثلٍ نسبياً، إلا أن الحرب الأولى لم تخلق بيننا مجموعة من العابثين المتآمرين، المتضامنين مع العدو والمؤيدين له، والمناوئين للمقاومة والكارهين لها، ولم تظهر جهودٌ تحاول تبهيت النصر، أو مساعي تعمل على سحب البساط من تحت أقدام المنتصرين، وتريد أن تظهرهم بأنهم وحدهم ولا أحد معهم، والكل ضدهم ولا أحد يؤيدهم، في ظل حمى التطبيع مع الكيان الصهيوني وموجة الاعتراف به والتنسيق الأمني والسياسي معه.
 
رغم التشابه الكبير بين الحربين، والاعتزاز الكبير بهما وبما حققتاه، إلا أن معركة سيف القدس لا يبدو أنها قد انتهت، فالعدو يريد بالتعاون مع بعض القوى تحويلها إلى هزيمة، وقلب نتائجها إلى عواقب وخيمةٍ، فإما يحقق استسلاماً وتطويعاً، واعترافاً وتفويضاً، أو يلجأ إلى حروبٍ أخرى منها العسكرية والأمنية، ولكن عمادها المستجد سيكون تشديد الحصار، وزيادة العقوبات ومضاعفة العقبات والتحديات، لتفقد المقاومة حاضنتها الشعبية، وتخسر قلبها النابض بحبها، فهل تتعاضد قوى المقاومة وتتحد، وتتفق القوى الفلسطينية وتتصالح، ويصبر معها الشعب ويحتمل، وتمر المؤامرة وتنجلي، وتنكشف الغمة وتنقشع، أم تسوخ الأقدام وتتعثر الخطى، ويغلق المدى ويسد الأفق، ونعود من الحرب الرابحة بجنى خاسر وحصادٍ هشيمٍ، ويُفرض بالجوع والحصار والدمار ومنع الإعمار، اتفاقٌ لئيمٌ وحلٌ ذليلٌ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حربُ أكتوبرَ المجيدةُ ومعركةُ سيفِ القدسِ العظيمةُ حربُ أكتوبرَ المجيدةُ ومعركةُ سيفِ القدسِ العظيمةُ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon