توقيت القاهرة المحلي 22:01:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة

  مصر اليوم -

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة

بقلم :ناصيف حتّي*

نعيش اليوم في مرحلة تبلور نظام عالمي جديد لم تستقر بعد قواعده وأنماط العلاقات والتفاعلات بين أطرافه كافة التي يتسم بها أي نظام عالمي تميزه عن أنظمة أخرى. فبعد سقوط نظام الحرب الباردة مع سقوط الاتحاد السوفياتي قام نظام «اللحظة الأحادية» كما سماه الكاتب الأميركي شارلز كروثمر، أو لحظة انفراد الولايات المتحدة على رأس هيكل القوى الدولي. نظام سرعان ما سقط مع عودة كل من روسيا الاتحادية، وكذلك الصين الشعبية ولو بعناوين استراتيجية مختلفة عن الماضي، إلى لعب دور فاعل ووازن ومنافس للدور الأميركي على الصعيد العالمي. وساهم سقوط الخصم «الشرقي» في إصابة الحلف «الغربي» بالوهن مع تغير بنية النظام الدولي، وكذلك طبيعة الأجندة الدولية مع تغير الأولويات والتحديات الوطنية والدولية وغيرها. ويظهر ذلك الوهن بشكل خاص في الخلافات بين الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين حول تقاسم أعباء الإسهام في منظمة حلف شمال الأطلسي. وكذاك يظهر في الخلافات الأميركية - الأوروبية حول العديد من القضايا الدولية وكيفية التعاطي معها. كما نرى الخلاف ضمن البيت الأوروبي الغربي ذاته بشكل شبه مستمر حول الأجندة الأوروبية من دون أن يعني ذلك بالطبع نهاية هذا التحالف الغربي رغم ما أصابه من تفكك.

تغير الأولويات، وكذلك التحديات وسقوط عنصر الهوية الآيديولوجية الاستراتيجية الجامعة للدول الذي كرّس جدار الفصل وطبع الصراع في الماضي، أعاد خلط الأوراق لدرجة كبيرة. وقد برز ذلك التحول من خلال أنماط تفاهمات وتعاون «بالقطعة» بين مختلف القوى بعيداً عن طبيعة الأنظمة التي تحكمها. وقد أدى ذلك إلى إحداث سيولة ومرونة كبيرة في العلاقات الدولية، خاصة في ظل عولمة متسارعة وجارفة.
عولمة حوّلت العالم إلى مثابة قرية كونية تتسم بدرجة جد عالية من الترابط والتداخل والاعتماد المتبادل. مقابل ذلك، ظهر مسار مناقض، جاء بمثابة رد فعل على العولمة عبّر عنه من خلال إحياء هويات أولية (دينية أو مذهبية أو إثنية أو غيرها) أمام هذه العولمة التي يراها كثيرون لأسباب مختلفة أنها تسلبهم أو تهدد خصوصياتهم الهوياتية في بلادهم، أو أنها مسؤولة عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي يعيشونها؛ الأمر الذي أثر ويؤثر في النسيج الوطني لعدد من الدول ولو بدرجات متفاوتة. كما ظهرت ردود فعل عبر دعوات «الانطواء» الوطني على حساب «التعاون الإقليمي» باعتبار أن هذا الأخير حسب هذه الرؤية يهدد الهوية والمصالح الوطنية. نلحظ صعود هذه التيارات ذات الخطاب الشعبوي في مجتمعات دول الاتحاد الأوروبي ولو بدرجات متفاوتة، علماً بأنها منتشرة بعناوين مختلفة في مجمل بقاع العالم.
على صعيد آخر، نشهد مزيداً من التعاون الأمني الاستراتيجي الروسي - الصيني في وجه الولايات المتحدة محفزه المباشر مؤخرا أوكرانيا بالنسبة لروسيا وتايوان بالنسبة إلى الصين الشعبية بشكل خاص. يعكس ذلك كله ازدياد حدة التنافس بين هذه القوى سواء على مستوى الجغرافيا السياسية أو الجغرافيا الاقتصادية أو الاثنتين في العالم. ويطرح السؤال فيما إذا كان النظام الجديد الذي يتبلور سيكون ثنائي القطبية (أميركي - صيني) أم ثلاثي القطبية، بإضافة روسيا الاتحادية إلى رأس هرم بنية النظام الجديد.
لعبة التنافس هذه وكيفية إدارتها والقواعد التي ستنتج منها مع الوقت ستحدد بشكل كبير طبيعة النظام العالمي الذي سيتبلور ويستقر مع الوقت.
كما أن أزمة المناخ أو التغييرات البيئية الحادة وما تشكله من تداعيات سلبية على كل من الأمن الغذائي والأمن المائي والهجرة القسرية وانتشار الأوبئة والأمراض كلها عناصر تهدد الاستقرار على الصعد كافة، منها الوطني والإقليمي والدولي. أضف إلى ذلك جائحة «كوفيد» التي كشفت الحاجة إلى بلورة تعاون دولي فاعل متعدد الأطراف تنتج منه استراتيجية ناشطة ومبادرة للتعامل بفاعلية ونجاح مع تحديات صحية من هذا النوع مستقبلاً.
ولا بد من التذكير في هذا الصدد، أن الاقتصاد العالمي في حالة انحدار شديد كما تدل على ذلك المؤشرات كافة على الصعيدين الوطني والدولي. ونشهد ازدياداً كبيراً في عدد الدول التي تصنف أنها في طريقها للفشل، وكذلك تلك التي انضمت إلى مجموعة الدول الفاشلة. كما نشهد ازدياداً هائلاً، خاصة في الدول الفقيرة في عداد من يعيشون في فقر مدقع. ذلك كله يزيد من المخاطر المختلفة الأبعاد والمستويات على الصعد كافة.
إن تبلور نظام عالمي جديد يوفر الاستقرار في «القرية الكونية» التي نعيش فيها، في ظل هذه المتغيرات والتحديات المتزايدة والمترابطة بتداعياتها، إن لم يكن بعضها بمسبباتها، والتي لا تعرف الحدود بين الدول بسبب طبيعتها، يستدعي توفير «ثلاثية» الرؤية والإرادة والإمكانات لبلورة «ميثاق عالمي للتضامن»... ميثاق يوفر خريطة طريق وقوة دفع للخروج من النفق الذي وجد العالم نفسه فيه، يساهم ذلك إذا وجد في بناء نظام عالمي مستقر لمصلحة جميع مكوناته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظام عالمي جديد وتحديات متعددة نظام عالمي جديد وتحديات متعددة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon