توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

  مصر اليوم -

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

بقلم :ناصيف حتّي*

يصف كثيرون اليوم العالم بأنه صار بمثابة قرية كونية بسبب ثورة الاتصالات والمواصلات التي أسقطت حواجز المسافات، وسرعت التفاعلَ مختلف الأوجه بين مختلف الجماعات والشعوب.

تفاعل يعكس ويساهم في تكثيف علاقات الترابط والاعتماد المتبادل، وكذلك التأثر والتأثير المتبادل بين مختلف شعوب ومجتمعات العالم. لكن يفضل البعض وصف الوضع الجديد بالمدينة الكونية بسبب غياب التناغم والانسجام القيمي النسبي الذي يطبع عادة حياة القرية وسكونها مقارنة بحياة الصخب والاختلاف الأكبر في منظومة القيم، الذي لا يعني بالضرورة الخلاف الذي يطبع حياة المدينة.

الثورة التي أشرنا إليها، رغم إيجابياتها الكبيرة، تحمل أيضاً احتمالات زيادة الصدام بسبب التفاعلات مختلفة الأوجه، التي تحملها عند أصحاب الهويات السياسية والعقائدية المتشددة والقائمة على فكر منغلق أصولي كلي يؤمن بالتفوق على الآخر المختلف أيا كان وجه الاختلاف مع ذلك الآخر وعنه.

ونرى ذلك حالياً في أوروبا، مع صعود أحزاب اليمين المتطرف، ولو أن ذلك منتشر في العالم بأشكال وهويات مختلفة. يوثر ذلك من دون شك على العلاقات بين الدول، ويؤدي إلى خلق توترات في تلك العلاقات، ويخلق حواجزَ وهمية قائمة على الجهل والخوف والتخويف من الآخر أمام تطور تلك العلاقات.

وغني عن القول إنه يجب التمييز بين الخلافات التي هي سمة طبيعية في العلاقات بين الدول، وإن هنالك عناصرَ عديدة يمكن توظيفها لتسوية هذه الخلافات لمصلحة الأطراف المعنية، وتلك الخلافات التي تقيم أو تقوم على حواجز لا يمكن إسقاطها طالما عبرت عن هذه الأصوليات مختلفة العناوين، التي تقوم على الانغلاق والخوف والتخويف، بدل الانفتاح القائم على التعاون ولو التدريجي. أمام ذلك كله تبرز أهمية الدبلوماسية العامة (public diplomacy) التي لا تشكل بالطبع بديلاً عن الدبلوماسية الرسمية التي تنظم علاقات الدول بعضها مع بعض. هذه الدبلوماسية تلعب دوراً أكثر من مهم وضروري في دعم الدبلوماسية الرسمية التي تبقى لها قيودها، مهما اختلفت الحالة بين دولة وأخرى، وطبيعة مهامها التي لا يمكن أن تشكل بديلاً عن الدبلوماسية العامة، خاصة في القرية أو المدينة الكونية التي نعيش فيها. الدبلوماسية العامة تلعب أدواراً مختلفة، ولكنها متكاملة في دعم الدبلوماسية الرسمية. من هذه الأدوار أو الوظائف ما يمكن وصفه بالنشاط الاستباقي لجس النبض في مجال معين بالعلاقات بين دولتين أو حتى منظمتين إقليميتين، من خلال استكشاف مجالات التعاون ذات المصلحة المشتركة عند الطرفين، وإلقاء الضوء على هذا الأمر، لتمضي لاحقاً الأطراف الرسمية المعنية في ولوج باب ذلك التعاون أو تعزيزه إذا ما كان قائماً.

الدبلوماسية العامة تقوم على استكشاف مجالات جديدة أو تطوير مجالات قائمة للتعاون وإعطائها زخماً جديداً أو أبعاداً أخرى. قد يكون هنالك تنسيق مسبق بين الرسمي وغير الرسمي يقوم الأخير فيه بما يُسمى جس النبض دون إلزام الطرفِ الرسمي الذي يمثله أوجهَ التعاون الممكنة أو تقوية هذه الأوجه. الدبلوماسية العامة قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو إعلامية أو غيرها. قدرة الحركة في الدبلوماسية العامة كبيرة لأنها متحررة من القيود الرسمية؛ فمن يقوم بها عادة أطراف (أشخاص أو منظمات وهيئات غير حكومية) غير مقيدة في خطابها، أياً كانت درجات التقيد الذاتي، وأنها بشكل مباشر أو حتى غير مباشر تخدم أهداف الدولة أو الدول المعنية.

قد يكون هنالك تنسيق مسبق أو قد لا يكون هنالك هذا النوع من التنسيق بين الرسمي وغير الرسمي، ولكنه يخدم في النهاية العلاقات بين الدول المعنية؛ إذ قد يعزز من جهة مجالات قائمة في التعاون، أياً كانت طبيعته، وقد يطلق، من جهة أخرى، مسارات للتعاون لم تكن قائمة من قبل.

بين المبادرات الاستباقية لاكتشاف مجالات جديدة للتعاون أو المبادرات اللاحقة، لتعزيز أطر تعاون قائمة وتعميقها، يبقى التفاعل الغني للطرفين بين المسارين الدبلوماسيين الرسمي والعام أكثر من ضروري. سواء حصل ذلك في عملية التعرف بشكل أفضل على الآخر مجتمعاً وطنياً أو إقليمياً أو طرفاً رسمياً: دولة أو منظمة إقليمية. الدبلوماسية العامة كمسار متعدد الأوجه والإبعاد والأطراف المشاركة فيه يعمل في حقيقة الأمر كطرف يقيم جسور التواصل والتفاعل، وفي تسوية مسبقة لخلافات قد تقف كعائق أمام التعاون الرسمي لاحقاً أو قد تعرقل من تعاون قائم.

تعزيز الدبلوماسية العامة بأشكالها المختلفة في عالمنا اليوم، عالم تشابك وتداخل وتكامل المصالح، أمر أكثر من ضروري.

الدبلوماسية العامة تشكل أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة المعنية، خاصة إذا ما أحسن الاستفادة منها وتعزيزها لمصلحة معرفة الآخر وبناء جسور الحوار والتعاون لمصلحة الأمن والسلم والازدهار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon