توقيت القاهرة المحلي 10:48:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيناريوهات أربعة لليوم التالي لغزة

  مصر اليوم -

سيناريوهات أربعة لليوم التالي لغزة

بقلم :ناصيف حتّي*

عادتِ القضيةُ الفلسطينية، بعد سنوات عديدة من الغياب عن الجدول الفعلي للأولويات الإقليمية الضاغطة، بسبب وجودِ حرائقَ عديدةٍ في المنطقة، إلى مركزِ الصدارة على جدول القضايا الإقليمية الساخنة والمفتوحة على كافة الاحتمالات. عادت عبر بوابةِ الحربِ الإسرائيلية الاستئصالية على غزة. الحرب التي أدَّت إلى حربٍ مفتوحة في الزمان والمكان مع دخول عنصرٍ جديد في الصراع قوامُه استراتيجية وحدة الساحات. وهي استراتيجية أدَّت إلى التوسع الجغرافي للحرب بشكل تصاعدي، وإلى أشكال جديدة في المواجهة التي كانت في الماضي، منذ نصف قرن مع حرب أكتوبر(تشرين الأول)، آخر الحروبِ العربية الإسرائيلية، محصورةً في دول الجوار المباشر، بين هذه الدول وإسرائيل، لتتحوَّل لاحقاً إلى حروب «غير متماثلة» بين أطرافها. حروب بين دولةٍ محتلة، ومقاومة للاحتلال سواء في فلسطين أو في لبنان. ثم تحوَّلت مع حرب غزةَ إلى حربٍ بين دولة محتلة من جهة، ومنظمات وقوى من جهة أخرى، تدعم وتساند المقاومةَ على الأراضي المحتلة. يحصل ذلك باسم التضامن العقائدي الهوياتي «العابر للدولة» والاستراتيجي العملاني، الذي يوظفه البعض ليبقى أيضاً ورقةً أساسية في الصراع على النفوذ الإقليمي في «لعبة الأمم» في المنطقة.

ما هي السيناريوهات المحتملة في «اليوم التالي» عندما يأتي ذلك اليوم؟

أولاً: سيناريو حرب استنزاف ممتدة ومفتوحة في الزمان، مع محاولات ضبطها في المكان حتى لا تنزلق إلى حرب إقليمية: حرب تُهدّد الاستقرارَ والأمن في الشرق الأوسط، وتُعيد خلط «أوراق اللعبة»، في الإقليم، مع ما لذلك من ارتدادات على الجميع. أحد متفرعات هذا السيناريو يشمل التوصلَ إلى تفاهمات عبر «الأطراف الثلاثة» المؤثرة لضبط الصراع في الجغرافيا وفي طبيعة القتال، وتخفيضه إلى أن يجري وقفه. إنه سيناريو من الهدن المؤقتة المرتبط استمرارها بتحقيق الأهداف التي تحملها، وتذكّر بها إسرائيل كلَّ يوم، وقوامُها: الإفراج عن الأسرى، والقبول بالسيطرة الأمنية والعسكرية الكليَّة لإسرائيل على القطاع، مع تسليم إدارة الحياة العامة في القطاع لسلطة مركبة قوامُها شراكةٌ فلسطينية عربية دولية، ضمن صيغة يُتَّفق عليها. أمرٌ يستحيل حصولُه، لأنه يعني عملياً شرعنة إعادةِ الاحتلال الإسرائيلي لغزة، بصيغة غير مكلفة لإسرائيل.

ثانياً: سيناريو قوامُه الانزلاق نحو حربٍ مفتوحة على مستوى الإقليم؛ تُعيد خلطَ الأوراق في لعبة النفوذ في المنطقة. وقفُ حربٍ من هذا النوع يستدعي التوصلَ إلى «صفقة كبرى» تشارك فيها القوى الإقليمية والدولية الفاعلة. لكنَّ ذلك لا يعني تسويةً مستقرةً ودائمة، لأنها لا تعالج المسببات الأساسية للحرب، وهي استمرار الاحتلال ومحاولات تعزيزه. وبالتالي تبقى عمليةُ العودةِ إلى الحرب بأشكال مختلفة أمراً أكثرَ من واقعي ما دام لم تتم معالجة جذرية لتلك المسببات.

ثالثاً: محاولات إسرائيل المعلنة والمكشوفة عبر ازدياد سياسات تهويدِ الضفة الغربية، جغرافياً وديمغرافياً، على تعزيز قيام دولةِ إسرائيلَ الكبرى. ذلك يبقى الهدفَ الاستراتيجيَّ والعقائديَّ المعلنَ والمؤكدَ للسياسة الإسرائيلية، في ظل هيمنة اليمين المتشدد الديني والتقليدي في المجتمع، وإمساكه بالسلطة في إسرائيل. العنوان الضمني أو المكمل لتلك السياسة يكمن في إحياء ما يُعرف بـ«الخيار الأردني». وقد بدأ الحديث عن صيغ مختلفة «ناعمة» لتحقيق ذلك الربط بين الضفة الغربية والأردن. ومن نافل القول أنَّ هنالك رفضاً أردنياً وفلسطينياً واضحاً وحازماً لتلك المحاولات.

رابعاً: السيناريو «الواقعي» لوقف الحرب يتم عبرَ إصدارِ قرارٍ عن مجلس الأمن بالوقف الدائم لإطلاق النار، وليس بالوقف الجزئي أو المشروط، كما هي الطروحات القائمة حالياً. مسؤولية مجلس الأمن في الحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار والتسوية السلمية للنزاعات تستدعي ولوجَ هذا الطريق: اتخاذ القرار المطلوب وممارسة الضغوطات الضرورية والواقعية لتلتزم إسرائيلُ بتنفيذه كونه لمصلحةِ ما أشرنا إليه من أهداف، التي تعني مصالحَ الجميع في الإقليم وخارجه. يلي ذلك تنظيمُ مؤتمرٍ دولي، تشارك فيه الأطراف الدولية الفاعلة لإعادة إحياء عمليةِ السلام، ومواكبة ورعاية هذه العملية، على أساس المرجعيات والقواعد الأممية والدولية المعروفة والتمسك بحل الدولتين. حلٌّ دونه الكثير من العوائق والصعوبات الإسرائيلية أساساً، ولكنَّه يبقى الحلَّ الوحيدَ القانونيَّ والأمميَّ والأخلاقيَّ والواقعي، لتحقيق السَّلام الشاملِ والعادلِ والدائم. فالخيارات الأخرى التي أشرنا إليها هي حلولٌ مؤقتة، وعمليةُ شراءِ وقتٍ نحوَ مزيدٍ من التعقيدات في طريق استمرار الصراع بأشكالٍ وصيغٍ ومشاركة أطراف مختلفة.

خلاصة القول؛ إنَّ هذه الحلول الجزئية سهلةُ التحقيق نسبياً، ولكنَّها تبقى مؤقتةً، وتشكّل نوعاً من الهروب المكلف إلى الأمام، وهنالك استحالةٌ لتحقيق السَّلام عبرها. في المقابل فإنَّ حلَّ الدولتين وإنهاءَ الاحتلال حلٌّ صعب التحقيق، لا بل شديد الصعوبة في ظل المعطيات القائمة، ولكنَّه الحلُّ الوحيد الذي يسمح، إذا ما توفرت الشروط التي أشرنا إليها، وهذا أكثر من ممكن، بتحقيق السَّلام الشاملِ والعادل والدائم، ويفتح صفحةً جديدةً في الأولويات وأنماط العلاقات في الإقليم الشرق أوسطي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيناريوهات أربعة لليوم التالي لغزة سيناريوهات أربعة لليوم التالي لغزة



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon