توقيت القاهرة المحلي 09:39:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة إلى صديق

  مصر اليوم -

رسالة إلى صديق

بقلم :ناصيف حتّي*

يعيش أكثرنا اليوم ونحن على أرض الوطن حالة من الاغتراب القسرى. الاغتراب الذى هو ثمرة ما آلت إليه الأوضاع الناتجة عن تراكم سياسات وخيارات جاءت بها السلطة السياسية فى لبنان بكل مكوناتها وأطرافها وأطيافها ولو بأوقات وأشكال ودرجات مختلفة. نعيش مأساة وطنية وحالة كارثية ونحن وصلنا إلى حافة الانهيار الكلى. نهرب إلى ماضٍ، شهد حروبا ونزاعات لكنه بقى واعدا، عله يعود. ونحلم بمستقبل، بما للبنان من طاقات وإمكانات كامنة ومن قوة ناعمة، فى العلم والثقافة، لم نحسن توظيفها، عله يأتى. بعضنا يهرب فى الجغرافيا، وخاصة العناصر الشابة متى استطاعت، فى ظروف عالمية صارت صعبة. وبعضنا الآخر يهرب فى التاريخ إلى ماض جميل لم يعرف الأزمات القاتلة أو الحادة التى نعيشها اليوم.
ذكرنى أحد الأصدقاء بما كتبت، فى صيف ٢٠١٥، عشية عودتى إلى لبنان بعد عقود ثلاثة ونصف العقد من الزمن أمضيتها فى العمل الدبلوماسى فى الخارج، وقبلها بعض سنوات فى الدراسة. وسألنى أين أنا اليوم مما كتبت.
وأود أن أشارك القراء الكرام بما كتبت قبل أن أجيب صديقى على سؤاله أو تساؤله. وقد كتبت حينذاك، وكنت فى روما، ما يلى:
وأنا أجمع أمتعتى وألملم أوراقى وأسترجع ذكرياتى ليوم العودة الذى اقترب، اليوم الذى انتظرته لعقود أربعة من الزمن، اليوم الذى اتطلع إليه، أستذكر يوم تركت ــ ولا أقول غادرت ــ لبنان. فلبنان لم يغادرنى. انغرس فى قلبى ووجدانى وعقلى، وكلما ازدادت المسافة فى الزمان والمكان، كلما ازدادت معها الآلام والأحلام، آلام الفراق وأحلام الرجوع واللقاء.
يسألك البعض: لوين راجع؟. لم يعد لبنان البلد الذى عرفته.
ولكن هل الوطن فندق خمس نجوم، إذا تغير تركته وتنكرت له وانتقلت تبحث عن فندق آخر؟
لم أجد، وربما رفضت فى قرارة نفسى أن أجد طعم الاستقرار خارج الوطن. الوطن لا يتغير حتى لو تغير الحجر والبشر. الوطن لا يضيع، نحن نضيعه، نضيع عنه ولكنه ينتظرنا دائما.
ليعش كل منا لبنان الذى عرفه والذى أحبه، أو لبنان الذى حلم به. بذلك يعود لبنان الذى نريد.
مشتاق إليك يا وطنى.
مشتاق لشوارع بيروت الضيقة، لمقاهيها التى تضج بالحوار ولسهراتها التى تنبض بالحياة. مشتاق للقرية وأشجارها وعصافيرها وبساتينها، وللجبل بقامته وشموخه.
مشتاق للبنان مختبر تفاعل الأفكار وساحة صراع السياسات والحوار وملتقى الثقافة على غناها والفن على تنوعه.
مشتاق إليك يا وطنى أحضنك وتحضننى.
يا صديقى، وها أنا أجيبك، ما كتبت كان حلما، وكل حلم له شروط ليتحقق، ولم يكن وهما رغم شدة الصدمة وتداعياتها. صدمة كانت نتيجة تراكمات مسار سياسى واقتصادى وإدارى بشكل خاص. تغاضى بعضنا عن قصد أو عن غير قصد، عن جهل أو عن تجاهل، عن تداعياته الطبيعية. لعبة السلطة التى كانت تحكم وتتحكم بذلك المسار، والقائمة على فدرالية الأمر الواقع؛ فدرالية المذهبيات السياسية القائمة على الولاءات ما دون الوطنية ولو باسم الوطن كما يراه كل من أسيادها. هذه الفدرالية قادتنا إلى ما نعيشه اليوم من أزمة بنيوية حادة تهدد الوطن، مجتمعا ودولة، إذا لم نحسن التعامل مع تداعياتها والأهم معالجة مسبباتها مهما حاول البعض القفز فوقها أو تجاهلها.
سياسة المراهم والرهان على الخارج، المؤثر بشكل كبير فى السياسات الوطنية لأننا فتحنا الباب واسعا أمام ذلك التأثير فى الحياة السياسية، لم تعد تجدى. لم يعد من المفيد الرهان كليا على تفاهم خارجى لإخراجنا من أزمة كما كان الحال فى الماضى. التفاهم الخارجى بين القوى المؤثرة، ولو بأشكال مختلفة من التأثير، أمر هام ومساعد لكنه غير كاف. طبيعة الأزمة الراهنة، التى للتذكير هى نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية وأخرى، تستدعى المعالجة الشاملة وبالعمق.
يا صديقى، الانهيار الكلى ليس حتميا إلا إذا استمرينا فى سياسة المراهم والتأجيل والتسويف والرهانات الخاطئة.
فلنبدأ باحترام الاستحقاقات الدستورية كشرط ضرورى، ولو غير كافٍ، لإطلاق عملية الإصلاح الشامل. عملية تحتاج لحوار فعلى وعملى، وبالتالى فاعل، تشارك فيه جميع المكونات السياسية. ويرتبط النجاح فى هذا التحدى فى توفر الإرادة، والرؤية الاصلاحية الشاملة القائمة على خطة عمل، وجدول زمنى واضح للتنفيذ. المطلوب العمل على بناء دولة المؤسسات، الدولة العادلة، لأنها ستكون الدولة القادرة على بناء دولة المواطنة لوقف الانهيار وإطلاق عجلة إعادة البناء وتحقيق الاصلاح الشامل المتعدد الأبعاد. علينا أن نعود إلى الوطن عبر هذه العملية ليعود الوطن إلى جميع أبنائه.
عملية ليست بالأمر السهل ولكنها قطعا بالأمر الممكن والضرورى. فلنعد إلى بناء الدولة بالمفهوم الشامل للبناء حتى لا نخسر الوطن.
وزير خارجية لبنان الأسبق

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة إلى صديق رسالة إلى صديق



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon