توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين؟

  مصر اليوم -

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين

بقلم :ناصيف حتّي*

الجولة الثالثة من المحادثات/المفاوضات غير المُباشرة الأميركية-الايرانية بُغيةَ إحياءِ خطّة العمل الشاملة المُشتَرَكة أو إتفاق ٥ +١ (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) مع إيران، تشهد تقدّماً “ولو ببطء ومن دون توتّرٍ”، كما أعلن أكثر من مُشارك. يقوم الأوروبيون بشكلٍ خاص بالتوسّط حتى تعود واشنطن إلى الإتفاق مُحاولين إيجاد صيغةٍ جامعة تُسقِطُ لُعبةَ الشروط والشروط المُضادة التي يطرحها الطرفان، والتي هي في نهاية الأمر سمة طبيعية في مفاوضات من هذا النوع في قضيةٍ تحمل تأثيرات أساسية في “المسرح الاستراتيجي الشرق أوسطي”.

البعض في المنطقة يتصوّر، أو يتمنّى، أو يتخوّف، من مواقع سياسية مُختلفة من أننا أمام احتمالاتٍ ثلاثة:

أوّلها، ما صار يُسمّى بالعودة إلى “نموذج أوباما”، أي عودة واشنطن إلى الإتفاق النووي من جديد مع بعض الضمانات التي تُريدها وترك “يد إيران حرّة” في المنطقة.

ثاني هذه الاحتمالات أو التمنّيات، توخّياً للدقّة، قوامُه أن واشنطن ستصرّ، أو يجب أن تصرّ، على سلّةِ شروطٍ مُترابطة تشمل إلى جانب النووي كلّاً من الصواريخ الباليِستية الإيرانية والسياسات التدخّلية في المنطقة، أيّاً كانت عناوينها أو الأطراف التي تقوم بها نيابةً عن إيران ولمصلحتها. إنه “نموذجُ ترامب”، وهو مُستبعَدٌ كما تدلّ كافة المؤشّرات الأميركية وغيرها.

الإحتمالُ الثالث، وهو المُرجَّح، كما يدل العديد من المؤشرات في المفاوضات وعلى الأرض عبر الرسائل المُتبادَلة في سوريا والخليج ان انطلاق مسار تسوية الملف النووي يواكبه بشكلٍ خاص موضوع “الدور الإيراني” في المنطقة، ولو أن هذا المسار ليس بالضرورة بالوتيرة ذاتها. وتُدرك الولايات المتحدة أن دول المنطقة الحليفة لها مَعنية بذلك بشكلٍ أساس، ويقع في رأس أولوياتها الأمنية والاستراتيجية بعد تجربة سنواتٍ ستّ تقريباً منذ التوصّل إلى الاتفاق النووي المُشار إليه، والحرب الباردة والحروب بالوكالة القائمة بين هذه القوى العربية وإيران في المنطقة، وفي “النقاط الساخنة” بشكل خاص. إن استمرارَ هذه الحروب التي أشرنا إليها مُنهِكٌ ومُكلِفٌ لجميع الأطراف المُشارِكة فيها بشكلٍ أو بآخر. هذا الأمر شجّعَ ويُشجّعُ الأطراف الإقليمية المعنية، كما يدلّ على ذلك بعض المؤشرات الذي ما زال خجولاً وفي بداياته، على ولوج طريق الحوار مع الآخر/ الخصم بُغيةَ التوصّل إلى تفاهماتٍ أو اتفاقاتٍ من دون أن يعني ذلك أن النجاحَ مضمون. ويحظى ذلك بتشجيعٍ من القوى الدولية رُغم اختلافِ مصالحها في المنطقة في لعبة التنافس القائمة بينها، مع وجودِ تقاطعٍ وتوافقٍ في المصالح حول حماية الاستقرار الإقليمي.

وللتذكير فإن القوى الدولية الموجودة في الشرق الاوسط، أيّاً كانت درجة أو طبيعة انخراطها في المنطقة، والتي تعمل على إنقاذ الاتفاق النووي، لها علاقات ومصالح مع مختلف القوى والأطراف الإقليمية الفاعلة. ولا تَجِد هذه القوى مصلحةً لها في الإنجرار إلى الانحياز لهذا الطرف أو ذاك فيما لو انفجر الصراع في المنطقة، ولو أنها قد تتعاطف مع موقف هذا الطرف أو ذاك في مسألة مُعَيّنة.

من أولى مؤشرات هذا التحوّل على صعيد القوى الإقليمية، والذي ما زال في بداياته، الخطوات التي اتّخذتها وتتّخذها تركيا في إخراج العامل العقائدي الإسلاموي من سياساتها بشكل تدرّجي في إطلاقها لمسار تطبيع علاقاتها مع بعض القوى العربية كشرطٍ أكثر من ضروري للنجاح في تحقيق هذا الهدف. كذلك يُمكن الإشارة إلى المُحادثات أو الاتصالات السعودية-الإيرانية وغيرها من اتصالات إيرانية-عربية مُشابهة، أو عبر أطرافٍ ثالثة، أيّاً كان مستواها أو طبيعة المسؤولية التي يتولّاها المشاركون فيها، والتصريحات الصادرة عن الطرفين والحاملة لخطابٍ مُختلف عن خطابِ الأمسِ القريب. خطابٌ يتطلّع إلى تطبيع العلاقات، وهذا ما يفترض الاتفاق على أُسسٍ وقواعد واضحة لما يجب ان تكون عليه العلاقات الطبيعية. ويجب أن تستند هذه إلى الأعراف والمبادىء والقواعد التي تُنظّم وترعى عادةً العلاقات بين الدول. بَقي أن يُبَلورها هذا الحوار حتى ينجح في انطلاقته. وليس ذلك بالأمر السهل بسبب الإرث المستقر والمؤثّر بشكلٍ  كبير في التفاعلات الصراعية في المنطقة، وتشابك الداخلي بالخارجي في هذه الصراعات المُختلفة الأوجه والمشارب. ولكن هذا الأمر  ليس بالمستحيل إذا ما استقرّت القناعة بأن الجميعَ رابحون من تطبيع العلاقات على الأسس والقواعد المُشار إليها.

إن الانطلاقَ الخجول لهذه الحوارات وتبادل الرسائل التطبيعية التي أُشير إليها وترجمتها إلى سلوكيات سياسية على أرضِ الواقع الإقليمي، وهو ما سيحمل بدون شك نتائج إيجابية ملموسة في المنطقة، يُمكن أن يؤسّس لاحقاً لإطلاقِ عملية تدريجية لحوارٍ عربي-تركي-ايراني يهدف لإقامة نظامٍ إقليمي مُستقر (شبيه بمسار هلسنكي عام ١٩٧٥). نظامٌ إقليمي يقوم على احترام سيادة الدول الأطراف فيه وحلول منطق التعاون وإدارة الخلاف متى يحصل بين أطرافه، وليس التدخّل المُباشر أو غير المُباشر في شؤون الآخر تحت أيّ مُسمَّيات عقائدية أو سياسية، وذلك حسب القواعد الدولية المعروفة، الأمر الذي يسمح بتوفير الأمن والاستقرار والازدهار لكافةِ دوله. إنّه تحدٍّ أساسي في منطقةٍ تعيش كافة أنواع الصراعات والنزاعات، وتدفع شعوبها ودولها كلفةً باهظة لذلك .فهل تكون القيادات على مستوى هذا التحدّي؟

    الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.
    يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” – (لندن) – توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار”- بيروت

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين بَينَ “مُحادثات فيينا” و”مُحادثات بغداد” إلى أين



GMT 05:26 2022 الأربعاء ,17 آب / أغسطس

حول التعديل الوزارى

GMT 19:15 2022 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

هل بقيت جمهوريّة لبنانيّة... كي يُنتخب رئيس لها!

GMT 02:24 2022 الخميس ,09 حزيران / يونيو

لستُ وحيدةً.. لدىّ مكتبة!

GMT 19:37 2022 الأحد ,05 حزيران / يونيو

البنات أجمل الكائنات.. ولكن..

GMT 01:41 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

سببان لغياب التغيير في لبنان

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon