توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفغانستان: لعبةُ شطرنج جديدة

  مصر اليوم -

أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة

دكتور ناصيف حتّي*
بقلم :ناصيف حتّي*

دكتور ناصيف حتّي*

يُذَكِّرُ انسحابُ الولايات المتحدة من أفغانستان بانسحابها من فيتنام في العام ١٩٧٥، كنموذجٍ لفَشَلٍ استراتيجِيٍّ لقوّة عظمى في مسألةٍ كانت في طليعةِ أولويّاتها على الصعيد العالمي. مَسألةٌ استثمرت فيها أميركا الكثير من الإمكانات على كافةِ الصُعُد، مع التذكير باختلاف المُتَغيّرات الداخلية والخارجية بين كلٍّ من الحالتين الفيتنامية والأفغانية.

يُفسِّرُ البعضُ قرارَ الانسحابِ الأميركي، الذي كان مُنتَظَراً، بأنه يَندَرِجُ في استراتيجيةٍ  تقوم على “وضع نهايةٍ لحروبٍ لا نهاية لها”. البعضُ الآخر رأى أن الانسحابَ الأميركي يَندَرِجُ في ما يُمكن وصفه بسياسةِ “قلب الطاولة على الجميع”: جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين المعنيين. حروبٌ تَستَنزِفُ الإمكانات من دونِ أن تَخدُمَ الأهداف التي قامت لأجلها. فشلت واشنطن بعد عقدين من الزمن من سيطرتها على أفغانستان وإسقاطها لحكم “طالبان”، الذي كان استمر لسنواتٍ خمس (١٩٩٦ الى ٢٠٠١)، في ما يُعرَف بعملية بناء الدولة في مرحلة ما بعد النزاع. خصوصية التركيبة المُجتَمَعية الهويّاتية (القبلية والعرقية) الشديدة التعقيد لأفغانستان ساهمت بشكلٍ خاص في إفشال هذه العملية بدون استبعاد بالطبع للجغرافيا السياسية لتلك البلاد الجاذبة للتدخّلات بكافة أشكالها. وللتذكير فإن أفغانستان عُرِفَت عبر تاريخها بأنها مقبرةُ الإمبراطوريات لصعوبةِ، إن لم يكن استحالة، السيطرة عليها.

“طالبان”، التي تودّ أن تُقدِّمَ نفسها بأنها عادت بعد انتصارها العسكري بحلّة جديدة، تقوم باتصالاتٍ وحواراتٍ مع شخصياتٍ مُشارِكة في السلطة التي اسقطتها، بغية إشراكها في السلطة الجديدة. وتقول أنها ستسمح للمرأة بالمشاركة في هذه السلطة. وتؤكّد بأنّها ستطرح إطارَ حُكمٍ جديد في الأسابيع القليلة المقبلة. كما أنها تُصرّح بأنّ اتفاقها مع الولايات المتحدة، عبر الحواراتِ المُتعدّدة التي جرت في أكثر من عاصمةٍ إقليمية، نصّ على عدم السماحِ لأيِّ جهةٍ مُتطرفة باستخدامِ أراضيها، الأمر الذي يعني أن “طالبان” العائدة إلى الحُكم لن تجعل أفغانستان مرّةً أُخرى قاعدةً لتنظيم “القاعدة” أو لحركاتٍ إرهابية أخرى “لجهادها العالمي”. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبين لم يعد الهدف الاستراتيجي الصدام المُطلق مع النظام أو القطيعة الكلية معه، بل معيار العلاقات المستقبلية مع النظام العائد يكمن في  سلوكيته الخارجية وليس في طبيعة السلطة الحاكمة.

تُحيطُ بأفغانستان دولٌ ست (طاجكستان، أوزبكستان، تركمانستان، إيران، باكستان والصين الشعبية) تبقى معنية مُباشرة بشكلٍ كبيرٍ بالتطورات الحاصلة، كما كانت دائماً حال باكستان وخصوصية علاقاتها الأفغانية، أو عبر حلفائها. أفغانستان أيضاً كانت دائماً مَحَطَّ أولوية استراتيجية عند القوى الدولية والإقليمية المعنية “بالمسرح الاستراتيجي” الآسيوي، وخصوصاً آسيا الوسطى. وتأتي في طليعتها روسيا الاتحادية وتركيا والهند واليابان، إلى جانب بالطبع القوى الغربية التي أشرتُ إليها سابقاً. وكانت “طالبان” أجرَت، وما زالت تجري، إتصالات مع مختلف القوى الدولية والإقليمية المعنية والمُؤثّرة بالملف الأفغاني، لطمأنة هذه القوى حول طالبان “الجديدة”.

وعلى صعيدٍ آخر يرى بعض المراقبين أن هناك دروساً وعِبَراً عديدة تؤخَذ من الانسحاب الأميركي من أفغانستان تتعلق بمصداقية الاعتماد على دعم الولايات المتحدة كحليفٍ موثوق في أوقات الأزمات الشديدة. وهذا ما يُقلقُ بعض حلفاء واشنطن ويدعوهم إلى إعادة النظر بالرهان الكلي على أميركا. كما يرى آخرون أن الطريقة التي تمّ فيها الانسحاب الأميركي قد تُشجّع أو تُعطي قوّةَ دفعٍ للحركات الإرهابية. ويرى كثيرون أيضاً أن عمليةَ خلطِ الأوراق بعد التغيّرات الناتجة عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان ستكون لها بدون شك انعكاسات على الأوضاع في الشرق الأوسط، وعلى الإصطفافات السياسية التي يُمكن أن تحصل. إننا أمام لعبة شطرنج جديدة مركزها أفغانستان لن يكون الشرق الأوسط في منأى عن تداعياتها في “اليوم التالي”.

الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon