توقيت القاهرة المحلي 21:49:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

  مصر اليوم -

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

بقلم: الرئيس بَرهَم صالح*

يجب أن يكون سقوط نظام حزب «البعث» الشمولي في سوريا خبراً ساراً للمنطقة والعالم، كما كان سقوط نظام «البعث» المستبد في العراق. ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين؛ فبقاء الطغاة على سدة الحكم مأساة، وزوالهم قد يجلب مآسي إذا لم يتم التعامل مع الأوضاع الجديدة بحكمة، بعيداً عن الانتقامات الداخلية والتدخلات الخارجية.

لطالما كان نظام الأسد مصدراً لمأساة الشعب السوري لأكثر من خمسة عقود. تتكشف أدلة المجازر واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وأساليب القتل المروعة والمعتقلات سيئة الصيت من خلال شهادات العيان ومشاهد السجون ووثائق الدولة.

كان هذا النظام أيضاً مصدراً لعدم استقرار المنطقة. تدخلاته في لبنان وتورطه في اغتيالات القادة والنخب اللبنانية، ومنهم رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، جلبت المآسي لهذا البلد الجميل الذي كان دوماً منارة للتعايش والثقافة. كما زعزع استقرار العراق بتسهيل تدريب ودخول شبكات الجماعات الإرهابية الجهادية بعد عام 2003، في وقت كان العراق بحاجة إلى مد يد العون، لا يد القتل.

يجب الاحتفاء بانهيار هذا النظام بوصفه انتصاراً للحرية والعدالة وبدايةً لخلاص الشعب السوري من مظالم قاسية. ومع ذلك، ومع التقدير لتصريحات متوازنة من قائد العمليات المشتركة أحمد الشرع، فإن الوضع الحالي يثير القلق، إذ توجد جماعات مسلحة ذات جذور في تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» في أجزاء واسعة من الأراضي السورية.

آخر ما يحتاج إليه الشرق الأوسط اليوم هو صعود التنظيمات الجهادية المسلحة. فهذه المنطقة ليست أفغانستان المترامية، بل هي أكثر ترابطاً مع العالم وأكثر أهمية استراتيجياً. على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل حاسم، ليس فقط لمواجهة التهديد الإرهابي المحتمل، بل أيضاً لمساعدة الشعب السوري على طي صفحة الاستبداد، ودعم تطلعاته عبر تشكيل حكومة ديمقراطية مدنية تُعبِّر عن إرادة السوريين وتمثل جميع مكوناتهم من السنة والعلويين، والكرد والمسيحيين، والدروز، وباقي الأطياف. إطارٌ مدنيٌّ شاملٌ يمثِّلُ ضرورةً ليس لسوريا فحسب، بل لتحقيق السلام في المنطقة.

مصير سوريا محوري ليس فقط لشعبها، ولكن أيضاً لجيرانها. فلبنان بحاجة ماسة إلى استعادة دولته المدنية الديمقراطية والتنعم بالاستقرار والسلام بعد هذه السنين العصيبة من الصراعات والحروب.

في الوقت نفسه، وفي خضمّ هذه التحولات الكبرى في المنطقة، يقف العراق عند مفترق طرق. فقطعاً يجب أن يكون العراق مهتماً بما يجري في سوريا، ويجب أن يكون عوناً لأشقائه السوريين وجيرانه من أجل استتباب الأمن والاستقرار. لكننا لا نستطيع أن نلعب هذا الدور إذا لم تتم معالجة المشكلات البنيوية لمنظومة الحكم وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة مخاطر رجوع التطرف والتناحر الطائفي الذي عانى العراقيون بسببها خلال الفترة الماضية من كوارث كبيرة.

لا يمكن إنكار أهمية الإنجازات التي تحققت بعد إسقاط النظام الاستبدادي «البعثي» في عام 2003، مثل تبني الدستور والتداول السلمي للسلطة، وما نشهده اليوم من بوادر للإعمار والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن المشكلات البنيوية لا تزال قائمة، إذ أدى ضعف بنية الدولة، والفساد، وتمكن الجماعات المسلحة من أموال الدولة وتجاوزها على قرارها إلى تشكيل خطر وجودي على الدولة العراقية نفسها.

ويجب على العراق أيضاً إعادة صياغة علاقاته مع جيرانه، وذلك بناءً على مفهوم الدولة ذات السيادة وعلاقات الدولة بالدولة، مبنيةً على أساس المصالح المشتركة ورفض التدخل في شؤون الآخر، وألا يكون العراق قاعدة لأي طرف معادٍ للجوار. السماح لأي طرف خارجي بالهيمنة على القرار الوطني العراقي يقوّض السيادة ويغذي عدم الاستقرار وعدم التوازن على صعيد المنطقة. يجب تعزيز سلطة الدولة ذات السيادة، فاستقرار العراق لا يتقبل القيمومة والوصاية الخارجية والانتقاص من سيادته. العراق، كما أثبت التاريخ، غير مطواع للهيمنة الأجنبية!

وكان بيان المرجعية الدينية في النجف الذي أكد على سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها ومعالجة الفساد، موقفاً حاسماً في لحظة تاريخية، كما تعودنا على مواقف النجف التي تمارس أقصى درجات المسؤولية والحرص على المصلحة العراقية.

كما قلنا سابقاً، هناك حاجة ملحَّة لحوار وطني حقيقي بين العراقيين لمراجعة الخلل في منظومة الحكم والوصول إلى صيغة تمكنهم من المشاركة الفعلية في حكم بلادهم ضمن نظام ديمقراطي مدني يرسخ مفهوم الدولة ذات السيادة، وتحصر السلاح بيدها، وتمكن الحوكمة الرشيدة من مجابهة الفساد المستشري وتقديم الخدمات للمواطنين.

دور العراق بوصفه محوراً في الشرق الأوسط يعتمد على قدرته على العمل بشكل مستقل وتعزيز علاقات سلمية مع جميع جيرانه، بما في ذلك عمقه العربي وإيران وتركيا. إن تعزيز السيادة والاستقرار السياسي يمكن أن يحوّل العراق إلى جسر بين دول الشرق الأوسط. ولدى العراق الإمكانية ليكون حجر الزاوية في نظام إقليمي جديد يركز على الاستقرار والتكامل الاقتصادي والتعاون بدلاً من الصراع.

حل القضية الكردية أمر ضروري أيضاً. فقد حُرم الكرد من حقوقهم السياسية والثقافية على مدى عقود، ويجب الإقرار بأولوية معالجة هذه المظالم واحترام حقوق الكرد، بصفته شعباً أصيلاً في هذه المنطقة. ففي سوريا، يتطلب الأمر ضمان هذه الحقوق الكردية في أي تسوية سياسية وتثبيت مبدأ الشراكة في الوطن ورفع السياسات التمييزية والإقصائية التي رافقت حكم «البعث». أما في العراق، فتجب مراجعة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان بصورة بنيوية، ومعالجة النزاعات المتكررة المتعلقة بالموارد والأراضي والحوكمة والصلاحيات.

التحديات هائلة، لكنّ الفرص كذلك. الشرق الأوسط يقف عند نقطة تحول، والخيارات التي تُتخذ الآن ستحدد مسار المنطقة لعقود قادمة. دعم الشعب السوري في كفاحه من أجل الديمقراطية، واستعادة عافية لبنان، وإصلاح النظام السياسي في العراق، ليست فقط واجبات أخلاقية، بل هي أيضاً ضرورات استراتيجية.

هذه المنطقة عاشت ظروفاً عصيبة وحروباً مدمرة على مدى العقود الماضية بسبب الأنظمة الاستبدادية والعنف والقمع، وأيضاً بسبب حقبة الدولة المتآكلة والمتجاوز عليها من مجاميع مسلحة خارج إطار الشرعية، والتي أقحمت المنطقة وشعوبها في مغامرات خطيرة.

حان الوقت لهذه المنطقة أن تستقر، واستقرارها مرهون بشرعية منظومة الحكم المستمَدة من تراضى شعوبها، والتركيز على تحقيق النمو الاقتصادي والتطور وتوفير فرص العمل للشباب، واستئصال الإرهاب والتطرف.

إذا كان الآخرون قادرين على التحول في مجرى تاريخهم كما حدث في أوروبا وآسيا، فلا يوجد ما يمنع هذه المنطقة من التحول بهذا الاتجاه. وإلا، سيبقى هذا الجيل والأجيال القادمة أسرى لنزاعات تافهة على مفاهيم هامشية، فيما يتحول العالم إلى مسار التقدم والنمو الاجتماعي.

هذا واجبنا بصفتنا قادة وشعوب هذه البلاد لتحقيقه. ولكن، في تقديري، على المجتمع الدولي أيضاً أن يلعب دوره في دعم تصحيح المسار واستعادة الدول بناءً على القيم الديمقراطية والمدنية والسلام والتعايش ورفض العدوان، وكذلك العمل على إصلاح حقيقي في العراق بما يؤمِّن التعايش ليس فقط على صعيد الوطن العراقي، بل على صعيد المنطقة.

يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً استباقياً، من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والأمني لاستقرار المنطقة. لكن في نهاية المطاف، تقع المسؤولية على عاتق قادة وشعوب المنطقة.

شرق أوسط يقوم على التعاون والشمول في متناول اليد -إذا توفرت الإرادة لتحقيقه.

نقلا عن الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب



GMT 20:35 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

كلاب إسرائيل وجثث الفلسطينيين!

GMT 18:38 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

محمد مندور.. عواصف الفكر والعودة للثوابت

GMT 13:43 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ما هى كرة القدم فى مصر؟!

GMT 09:30 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الخوف صار هذه الناحية

GMT 09:29 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل يستمر الصراع على سوريا؟

GMT 09:28 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

البيضة والدجاجة في السوشيال ميديا

GMT 09:27 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حضنُ بوتين لبشار الأسد

GMT 09:26 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل «حرَّر» الشرع إيران من الإنفاق على المنطقة؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
  مصر اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 15:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
  مصر اليوم - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 13:12 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

أوميغا 3 يساهم في إبطاء نمو سرطان البروستاتا لدى الرجال

GMT 00:28 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

تارا عماد تكتشف سرًا يربطها بوالدتها

GMT 18:55 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

المصري يبدأ توزع دعوات مباراة بطل سيشل

GMT 06:45 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

مشاجرة بين مروان محسن ورضا عبد العال بسبب "الأهداف"

GMT 06:45 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الهلال" السعودي بين مطرقة "كورونا" وسندان "الديربي"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon