وُزعت، أمس، جوائز مركز السينما العربية، وحصل فيلم (ريش) للمخرج عمر زهيرى على جائزة الأفضل كفيلم ومخرج، وكان الفيلم فى العام الماضى قد حصد جائزة أسبوع النقاد، وتتابعت الجوائز التى نالها الفيلم عربيًا ودوليًا، ليحصد العدد الأكبر من الجوائز، فى غضون أقل من عام، كما حصل الناقد العراقى زياد الخزاعى على جائزة النقد لهذا العام، وشاركه أيضًا فى الجائزة الناقد الأمريكى، جاى ويسبرج، يشارك فى التصويت على جوائز السينما العربية نحو 170 من النقاد العرب مع بعض النقاد العالميين ممن لهم دراية بالسينما العربية.
تتعدد الأجنحة العربية فى المهرجان بينما يغيب للعام السابع على التوالى الجناح المصرى، هذا العام مثلًا أقام المخرج عامر سالمين أول جناح لمهرجان (العين) السينمائى، حتى يصبح بمثابة جسر تواصل مع العالم للمهرجان الوليد، أغلب الدول التى لديها صناعة سينما تحرص على أن يحمل اسمها جناح، يرفرف فوقه علم الدول.
يجب أن نضع فى الحسبان أنه قبل أكثر من 30 عامًا وفى الموقع نفسه يتواجد الجناح الإسرائيلى، الذى يقيمه المركز القومى للسينما هناك، سواء كان لها فيلم مشارك أم لا، المهرجان بؤرة للتواصل مع العالم، مصر بين الحين والآخر تقيم جناحًا، قد يغيب عامًا أو أكثر ثم يعود، زادت سنوات الغياب المتعاقبة هذه المرة، لأسباب قطعًا مقدرة ومفهومة، وهو ضعف الميزانية، إلا أن هناك من المؤكد حلولًا بديلة من الممكن البدء فى تنفيذها، ولا أتصوره فقط دور وزارة الثقافة التى تقيم مهرجان القاهرة، ولكن أكثر من وزارة وهيئة يجب أن تستشعر تلك الأهمية.
هذا العام أعلن حسين فهمى عن فعاليات مهرجان القاهرة فى حفل أقيم داخل مركز السينما العربية فى (كان)، والذى يرأسه الباحث السينمائى علاء كركوتى، سورى الهوية مصرى الهوى، الذى يلعب دورًا محوريًا فى العديد من المهرجانات الدولية ويوزع جوائزه السنوية، ودائمًا له جناح فى المهرجانات الكبرى المماثلة مثل (برلين) و(فينيسيا).
تجربة المركز العربى للسينما الذى انطلق نشاطه من مصر بدأب وإصرار من خلال مجموعة تعشق الفن السابع، ترنو بلا حدود لأبعد سماء، تقيدها الميزانية المحدودة، إلا أنهم يتواجدون بجناح دائم، يتحملون التكلفة التى ترتفع عامًا بعد عام، حسين فهمى حسبها اقتصاديًا هذا العام، ووجد أن إقامة جناح سوف تلتهم قسطًا وافرًا من الميزانية، كما أنه لم يتحمس لنفس السبب لإقامة حفل استقبال فى أحد الفنادق، وهو أضعف الإيمان، يعلن من خلاله عن الدورة رقم (44) من عمر المهرجان، فقرر إقامته بمركز السينما العربية، وهو أيضًا أحد أهم الداعمين لمهرجان القاهرة فى مرحلة تولى الكاتب والمنتج محمد حفظى المسؤولية، ولايزال يلعب نفس الدور فى عهد حسين فهمى، إلا أنه قطعًا من حقنا أن يعلو صوتنا بالسؤال: أين العلم المصرى على شاطئ الريفييرا لينطلق منه الإعلان عن مهرجان القاهرة؟
أعلم أن هناك توجهًا عامًا بالتقشف وضرورة خفض المصروفات، ولكنى لا أجد سببًا واحدًا يحول دون إقامة هذا الجناح، وهو بالمناسبة لا يعنى مهرجان القاهرة السينمائى فقط، ولكن كل المهرجانات المصرية، وكل الأنشطة السياحية أيضًا، تواجده يلعب دورًا محوريًا فى وصول الرسالة، خاصة بعد بدء التعافى من جائحة كورونا وعودة النشاط السياحى، ولهذا من الممكن أن تساهم فى إقامته أكثر من جهة، مثل السياحة والطيران وليس فقط الثقافة، وأيضًا غرفة صناعة السينما وغرفة السياحة، فى مرات قليلة كانت غرفة صناعة السينما بمفردها تتولى المسؤولية، أتذكر قبل 20 عامًا، بناءً على تعليمات المنتج الراحل منيب شافعى، رئيس الغرفة، كان يحرص على أن تُقدم للضيوف مشروبات شعبية، مثل الخروب والدوم والعرقسوس، أما الحلويات فإنها حمصية وسمسمية وأيضًا ثمار الدوم والخروب، والحمص والسودانى و(حب العزيز)، وكان البعض يأتى ليتذوق يوميًا المشروبات والحلويات باعتبارها حالة مصرية شعبية.
الجناح من الممكن أن يلعب دورًا حيويًا فى مد جسور ثقافية مع مصر، هذا العام نرى الجناح السعودى للعام الرابع، بينما هناك أجنحة دائمة للأردن تقيمها هيئة الأفلام الملكية، وأيضًا تونس والجزائر والمغرب تتولاها المراكز السينمائية فى الدول الثلاث.
لماذا لم تدرك أى جهة رسمية أو شعبية أهمية تواجد مقر خاص بنا لنرفع العلم المصرى مثل عشرات من الدول الأخرى؟
إنه بالتأكيد قرار سياسى، حتى ولو كنا نتحدث عن تظاهرة ثقافية، وهو ما تنبهت إليه فلسطين، وبين الحين والآخر تجد علم فلسطين يتصدر الجناح، فى السنوات الثلاث الأخيرة لم أعثر عليه، ولكنه كما قال لى أحد الأصدقاء سوف يعود العام المقبل.
المهرجانات الكبرى، مثل «كان»، بمثابة منصات لإطلاق دعاية لأكثر الفنون جماهيرية، ومن ثم تأثيرًا. وزارة السياحة كانت فى توقيت سابق تتكفل بمفردها بالنفقات، وتتصدر معالم مصر السياحية جنبات الجناح، والناس تأتى والرسالة تصل، ولا أتصور أن مشاركة العديد من الوزارات أمر يصعب تنفيذه، خاصة أنه توجد لجنة مهرجانات شكلها رئيس الوزراء برئاسة الوزيرة د. إيناس عبدالدايم، وتشارك فيها أكثر من وزارة، أى أن توجه الدولة لأهمية إقامة المهرجانات فى مصر دفعها لإصدار هذا القرار، الذى يؤكد أن المهرجان يتجاوز صلاحية وزارة واحدة ليصبح قرار دولة.
الراحل سعد الدين وهبة عندما ترأس المهرجان من «1985 حتى 1997»، كان حريصًا على أن تحتل مصر مكانًا مميزًا فى السوق، وهو ما نجح فيه أيضًا حسين فهمى فى السنوات الأربع التى تولى فيها رئاسة المهرجان، وتتابعت الأجنحة المصرية بعد ذلك، وربما بدأ التعثر فى السنوات العشر الأخيرة، لأنها شهدت إلغاء دورتى مهرجان القاهرة عامى 2011 و2013 من تاريخ المهرجان.
لدينا من الآن عام كامل لنرى العلم المصرى مرة أخرى مرفرفًا على شاطئ الريفييرا فى 2023، هل يسمعنا أحد؟!.