بقلم - طارق الشناوي
عدد كبير من المشاهير تنسب لهم أقوال -وأحياناً أفعال- لا يمكن أن تصدر منهم، أو عنهم، ورغم ذلك نكررها مئات المرات حتى نصدقها.
لدينا صورة ذهنية راسخة عن المشاهير، وأيضاً لدينا من يجيد حبك الحكاية وتزويقها، حتى يعتقد البعض أنها منسوبة لهم.
قطعاً أم كلثوم خفيفة الظل و«بنت نكتة»، إلا أن الوجه الآخر للصورة أنها لا يمكن أن تجرح إنساناً عامدة متعمدة. ظل بداخلها إحساس الفلاحة التي تعرف الأصول ولا تصدر عنها «العيبة».
مثلاً، روى لي عمي الشاعر الغنائي الكبير مأمون الشناوي، أنه كان قد ذهب إلى «استوديو مصر» في الأربعينات للقاء تحية كاريوكا التي كانت تصور فيلمها «لعبة الست»، والتقى بالصدفة مع أم كلثوم التي كانت على موعد أيضاً مع تحية. قالت له أم كلثوم: «متى تأتي تحية؟»، فأجابها: «سوف تأتي رأساً»، فردت أم كلثوم بسرعة بديهة: «مستحيل تحية تأتي رأساً؛ أكيد رقصاً»، «قفشة» أو «قلشة» خفيفة الظل، تصدر فعلاً عن أم كلثوم.
استمعت قبل سنوات لتسجيل إذاعي مع الأسف لم يتم تصويره تلفزيونياً، لأغنية «ليلة حب» عام 1972، عندما كررت مقطع «ما تشوقناش ما تعذبناش» مثنى وثلاث ورباع، واستبدت النشوة بأحد السميعة في الصفوف الخلفية، وترك مقعدة مخترقاً الصفوف، وانطلق مسرعاً إلى خشبة المسرح مردداً «أعِد يا ست أعِد»، فأشارت له أم كلثوم قائلة: «ما تعذبناش»، وضجت الصالة بالضحك. من يستمع إلى هذا التسجيل لن يعرف قطعاً لماذا ضحك الجمهور. تلك هي سرعة البديهة المغلّفة بخفة ظل يتقبلها الجميع من دون حساسية، وأولهم هذا المعجب الولهان.
ورغم ذلك، انفلتت يوماً ضحكة غير مقصودة من أم كلثوم، عندما رأت بالصدفة نجيب الريحاني للمرة الأولى وجهاً لوجه، قبل رحيله ببضعة أشهر. لم تستطع أن توقف ضحكاتها، فما كان من نجيب الريحاني سوى أن انصرف غاضباً، ولم يتم التعارف بين قمتي الغناء والكوميديا في مصر!
استمعت إلى أم كلثوم وهي تروي هذه الحكاية في مذكراتها التي سجلها لها الإذاعي وجدي الحكيم، وتلك الواقعة تحيلنا مباشرة إلى الفارق بين الفنان والإنسان، وهما في العادة ليسا وجهين لعملة واحدة. ملامح الفنان التي تصدرها لنا الشاشة قد تخلق عنه صورة ذهنية تبتعد تماماً عن حقيقته. وقالت أم كلثوم إنها لم تسامح نفسها بسبب هذا الموقف الذي أغضب الريحاني، وتمنت أن تلتقيه مجدداً، إلا أنه رحل قبل أن تسترضيه.
ستكتشف أيضاً ذيوع «نُكَت» لا تصدر أبداً عن أم كلثوم، مثلاً؛ أنها كانت في لقاء مع سكان منطقة «الزمالك»؛ حيث تقع فيها فيلَّا أم كلثوم، فقال أحد الجيران بصوت عالٍ: «أنا جار ثومة»، فبادرته قائلة: «تقصد أنك جرثومة»! تشبيه لا يمكن أن تنطق به أبداً «الست» وتجرح إنساناً في أول لقاء بينهما لمجرد أن تقول «إيفيه».
أحد مؤلفي الأغاني المغمورين أراد أن يشيع عن نفسه أنه كان قريباً من أم كلثوم، فقال إنه التقاها للمرة الأولى في مبنى الإذاعة، وقدمه لها الملحن محمد القصبجي قائلاً: «فلان شاعر متميز وأنيق يرتدي (كرافت) ثمنها 3 جنيهات»، وكان هذا رقماً ضخماً في تلك السنوات، فردت أم كلثوم: «الكرافت فيها زيت بخمسة جنيهات»! وهذا التعبير يشير مباشرة إلى عدم النظافة الشخصية، وهذا أيضاً مستبعد أن يصدر عن أم كلثوم.
ينتشر على «النت» لقاء مزعوم بين أم كلثوم وإسماعيل ياسين، سخرت فيه من اتساع فتحة فمه، عندما رأته يزِن نفسه في أحد المحال، فبادرته قائلة: «بتوزن نفسك ببقك وللا من غيره؟» وهو أيضاً لقاء من وحي الخيال. أم كلثوم تدرك أن إسماعيل من الممكن ببساطة أن يسخر في أفلامه من تضخم فمه، ولكن هذا لا يعني أن يجد نفسه وقد أصبح في الشارع مثاراً للسخرية، حتى لو كانت من «كوكب الشرق»!