توقيت القاهرة المحلي 00:09:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى!

  مصر اليوم -

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى

بقلم - طارق الشناوي

معضلة أو لغز الاندماج الفكرى والعاطفى والإبداعى بين شقيقين وليسا حتى توأمين تحتاج إلى دراسات متعمقة، ولدينا قطعًا أشهر أخوين هما مخترعا السينما فى العالم (لوميير) «لويس وأوجست»، وتحمل القاعة الرئيسية فى (كان) اسميهما، وتتابعت أسماء الأشقاء فى السينما (كوهين) أمريكا و(تافيانى) إيطاليا وغيرهما. بمجرد أن تتذكر فى عالمنا العربى اسم شقيقين، يصعد على الفور (الرحبانية) «عاصى ومنصور» فى مجال الأغنية، ورغم أن لديهما شقيقًا ثالثًا موهوبًا وهو الراحل (إلياس)، إلا أنه لم يشكل معهما أبدًا ثلاثية، تواجد معهما فقط بين الحين والآخر فى بعض الأعمال، وهذا يؤكد أن الأمر يتجاوز رابطة الدم إلى التوأمة الإبداعية، وهى مرحلة نادرة فى كل أوجه الفن. ويظل الأمر بحاجة إلى دراسة متأنية لنعرف بالضبط أين يكمن السر، وماذا لو تدخل القدر ورحل أحدهما أو تعثر صحيًا، مثلما حدث بين عاصى ومنصور!، فبعد رحيل عاصى استمر منصور ولكن بوهج أقل، وتلك قطعا حكاية لا يمكن إيجازها فى مقال.
أشهر أخوين حاليا فى السينما هما البلجيكيان «جاك ولوك» (داردين)، اللذان حققا السعفة الذهبية مرتين عن (روزيتا) و(الطفل)، كما حصلا على العديد من جوائز (كان) فى «السيناريو» و«الإخراج».

هذا العام شاركا فى «كان» بفيلمها المفعم بالبساطة (أتورى وروكيتا)، وهو المهرجان المفضل لهما طوال رحلتهما السينمائية، حيث أصبح المنصة الرئيسية لانطلاق أفلامهما فى أول تعارف مع الناس. أفلام الأخوين تتبع منهج الهمس، وأيضا الاقتصاد فى اختيار مفردات التعبير، والتكثيف فى اللقطات بلا أدنى ثرثرة.

أغلب أفلامهما انطلق من هذا المهرجان العريق، الذى لم يبخل أيضا عليهما ومنحهما هذا العام فى تلك الدور الاستثنائية (الماسية) الجائزة الماسية، بمناسبة مرور 75 عاما على انطلاقه عام 1946، الجائزة لائقة بالمهرجان وأيضا بالأخوين، فهى غير قابلة للتكرار.

هذا العام تميزت المسابقة الرسمية التى شارك فيها نحو 21 فيلمًا، أغلبها بالفعل تتمتع بمقومات تؤهلها للتسابق، وهكذا جاءت إضافة توصيف (الماسى) لجائزة الأخوين لتمنحها بريقا خاصا، فهى لن تتكرر بالطبع فى أى دورة قادمة للمهرجان.

قال جاك داردين على المسرح قبل تسلمه الجائزة، إنه التقط الخيط من محل خبز، عندما سأل عن إحدى العاملات، فجاءت الإجابة إنها عادت لبلدها، فهى من المهاجرين غير الشرعيين الذين يظلون فى معاناة، سواء من الدولة التى تطاردها لمخالفة القانون، أو من بعض العصابات التى تتاجر فى البشر.

(أتورى وروكيتا) اختيار ذكى للعنوان، الأول صبى لم يبلغ بعد الثانية عشرة والثانية امرأة فى بداية الشباب، عندما هاجرا من بلدين إفريقيين صارت بينهما رابطة الأخوة، أكبر حتى من رابطة الدم، يلتقطهما الأشرار الذين يعملون فى بيع الممنوع، المكان موحش ومظلم ويتم فرض السرية الشديدة على كل من يعمل به، فلا تواصل مع أحد، وغير مسموح باكتشاف جغرافية المكان تحسبًا لو تم اكتشاف شىء، فلا يصبح من يعمل معهم شاهد إثبات ضدهم ويفضح جرائمهم.

لا يهمّ بالنسبة للمشاهد هل هما حقًا شقيقان، أقصد (أتورى وروكيتا) أم لا، لأن المعاناة أكبر، كما أن التوحد الشعورى بينهما رفعهما درجة عن مرتبة أخوية فى الدماء والجينات. المخرجان (داردين) يمنحان أهمية كبيرة لفن أداء الممثل.. وكالعادة، لا يستعينان بمحترفين، بل يدفعان بمزيد من الإبداع لمن يقف أمام الكاميرا لأول مرة.. ومن أشهر أفلامهما (روزيتا)، فقد حصلت الممثلة التى كانت تقف أمام الكاميرا لأول مرة على جائز أفضل ممثلة، والفيلم حصد فى عام 97 أيضا (السعفة الذهبية).

يقدم الأخوان سينما تخفُت فيها إلى حد الشح جماليات السينما المتعارف عليها من إضاءة وتكوين وألوان، ومن النادر استخدام مثلا الرافعة (الكرين).. تجد أن الكاميرا المحمولة تسيطر، لأنها تبدو وسيلة بسيطة فى التعبير، كما أن مكان التصوير يفرض قانونه عليهما فى اختيار الزوايا، وهذا القيد يشعرك كمتلقٍ بالتجاوب أكثر مع الحالة موضوعيًا ونفسيًا، فأنت تعايشها كجزء منها، ولست مجرد مشاهد محايد تتعاطف لاشعوريًا مع الفتى والشابة اللذين نزحا من إفريقيا من أجل لقمة العيش.

المخرجان- وهما أيضا وكالعادة كاتبا السيناريو- حرصا على أن يلغيا تمامًا الإحساس بأن هناك كاميرا، كما أن بطليهما يتحركان بدرجة عالية من التلقائية.. حتى الحوار به جزء يسمح للمثلين بالإضافة.

الخضوع المطلق هو قانون تلك العصابة، والإذلال وكسر أى كبرياء محتمل لمن يعمل معهم أهم بنود هذا القانون.

نرى الشقيقين فى بداية الفيلم يقدمان معًا أغنية من التراث الإفريقى فى الملهى، ليس مهمًا أن تدرك كلماتها، فلم تتم الترجمة على الشاشة لأنها من الفولكلور، إلا أنك تستشعر النغمة وكأنها تسكن قلبك.

الأخوان (داردين) أيضا يختصران الأحداث فى أقل مساحة زمنية، وهكذا تتدفق اللقطات سريعًا دون أى ثرثرة.. وبذكاءٍ، أجاد المخرجان توظيف الأغنية (الفولكلورية) التى ردداها فى الملهى ليقدمها (أتورى) بمفرده هذه المرة أمام القاضى وهو يتابع محاكمة من قتلوا (لوكيتا).

إنها حالة خاصة فى الرؤية والروح والتتابع، ولهذا استحقت الجائزة الماسية فى عيد المهرجان (الماسى)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:38 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي
  مصر اليوم - إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري
  مصر اليوم - الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 23:07 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين

GMT 08:30 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

تصميمات "الفيونكة" تزيّن مجوهرات العروس في 2019

GMT 17:44 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

بلاغ ضد هالة صدقي بسبب فيديو "حثالة المجتمع"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon