توقيت القاهرة المحلي 06:23:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى!

  مصر اليوم -

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى

بقلم - طارق الشناوي

معضلة أو لغز الاندماج الفكرى والعاطفى والإبداعى بين شقيقين وليسا حتى توأمين تحتاج إلى دراسات متعمقة، ولدينا قطعًا أشهر أخوين هما مخترعا السينما فى العالم (لوميير) «لويس وأوجست»، وتحمل القاعة الرئيسية فى (كان) اسميهما، وتتابعت أسماء الأشقاء فى السينما (كوهين) أمريكا و(تافيانى) إيطاليا وغيرهما. بمجرد أن تتذكر فى عالمنا العربى اسم شقيقين، يصعد على الفور (الرحبانية) «عاصى ومنصور» فى مجال الأغنية، ورغم أن لديهما شقيقًا ثالثًا موهوبًا وهو الراحل (إلياس)، إلا أنه لم يشكل معهما أبدًا ثلاثية، تواجد معهما فقط بين الحين والآخر فى بعض الأعمال، وهذا يؤكد أن الأمر يتجاوز رابطة الدم إلى التوأمة الإبداعية، وهى مرحلة نادرة فى كل أوجه الفن. ويظل الأمر بحاجة إلى دراسة متأنية لنعرف بالضبط أين يكمن السر، وماذا لو تدخل القدر ورحل أحدهما أو تعثر صحيًا، مثلما حدث بين عاصى ومنصور!، فبعد رحيل عاصى استمر منصور ولكن بوهج أقل، وتلك قطعا حكاية لا يمكن إيجازها فى مقال.
أشهر أخوين حاليا فى السينما هما البلجيكيان «جاك ولوك» (داردين)، اللذان حققا السعفة الذهبية مرتين عن (روزيتا) و(الطفل)، كما حصلا على العديد من جوائز (كان) فى «السيناريو» و«الإخراج».

هذا العام شاركا فى «كان» بفيلمها المفعم بالبساطة (أتورى وروكيتا)، وهو المهرجان المفضل لهما طوال رحلتهما السينمائية، حيث أصبح المنصة الرئيسية لانطلاق أفلامهما فى أول تعارف مع الناس. أفلام الأخوين تتبع منهج الهمس، وأيضا الاقتصاد فى اختيار مفردات التعبير، والتكثيف فى اللقطات بلا أدنى ثرثرة.

أغلب أفلامهما انطلق من هذا المهرجان العريق، الذى لم يبخل أيضا عليهما ومنحهما هذا العام فى تلك الدور الاستثنائية (الماسية) الجائزة الماسية، بمناسبة مرور 75 عاما على انطلاقه عام 1946، الجائزة لائقة بالمهرجان وأيضا بالأخوين، فهى غير قابلة للتكرار.

هذا العام تميزت المسابقة الرسمية التى شارك فيها نحو 21 فيلمًا، أغلبها بالفعل تتمتع بمقومات تؤهلها للتسابق، وهكذا جاءت إضافة توصيف (الماسى) لجائزة الأخوين لتمنحها بريقا خاصا، فهى لن تتكرر بالطبع فى أى دورة قادمة للمهرجان.

قال جاك داردين على المسرح قبل تسلمه الجائزة، إنه التقط الخيط من محل خبز، عندما سأل عن إحدى العاملات، فجاءت الإجابة إنها عادت لبلدها، فهى من المهاجرين غير الشرعيين الذين يظلون فى معاناة، سواء من الدولة التى تطاردها لمخالفة القانون، أو من بعض العصابات التى تتاجر فى البشر.

(أتورى وروكيتا) اختيار ذكى للعنوان، الأول صبى لم يبلغ بعد الثانية عشرة والثانية امرأة فى بداية الشباب، عندما هاجرا من بلدين إفريقيين صارت بينهما رابطة الأخوة، أكبر حتى من رابطة الدم، يلتقطهما الأشرار الذين يعملون فى بيع الممنوع، المكان موحش ومظلم ويتم فرض السرية الشديدة على كل من يعمل به، فلا تواصل مع أحد، وغير مسموح باكتشاف جغرافية المكان تحسبًا لو تم اكتشاف شىء، فلا يصبح من يعمل معهم شاهد إثبات ضدهم ويفضح جرائمهم.

لا يهمّ بالنسبة للمشاهد هل هما حقًا شقيقان، أقصد (أتورى وروكيتا) أم لا، لأن المعاناة أكبر، كما أن التوحد الشعورى بينهما رفعهما درجة عن مرتبة أخوية فى الدماء والجينات. المخرجان (داردين) يمنحان أهمية كبيرة لفن أداء الممثل.. وكالعادة، لا يستعينان بمحترفين، بل يدفعان بمزيد من الإبداع لمن يقف أمام الكاميرا لأول مرة.. ومن أشهر أفلامهما (روزيتا)، فقد حصلت الممثلة التى كانت تقف أمام الكاميرا لأول مرة على جائز أفضل ممثلة، والفيلم حصد فى عام 97 أيضا (السعفة الذهبية).

يقدم الأخوان سينما تخفُت فيها إلى حد الشح جماليات السينما المتعارف عليها من إضاءة وتكوين وألوان، ومن النادر استخدام مثلا الرافعة (الكرين).. تجد أن الكاميرا المحمولة تسيطر، لأنها تبدو وسيلة بسيطة فى التعبير، كما أن مكان التصوير يفرض قانونه عليهما فى اختيار الزوايا، وهذا القيد يشعرك كمتلقٍ بالتجاوب أكثر مع الحالة موضوعيًا ونفسيًا، فأنت تعايشها كجزء منها، ولست مجرد مشاهد محايد تتعاطف لاشعوريًا مع الفتى والشابة اللذين نزحا من إفريقيا من أجل لقمة العيش.

المخرجان- وهما أيضا وكالعادة كاتبا السيناريو- حرصا على أن يلغيا تمامًا الإحساس بأن هناك كاميرا، كما أن بطليهما يتحركان بدرجة عالية من التلقائية.. حتى الحوار به جزء يسمح للمثلين بالإضافة.

الخضوع المطلق هو قانون تلك العصابة، والإذلال وكسر أى كبرياء محتمل لمن يعمل معهم أهم بنود هذا القانون.

نرى الشقيقين فى بداية الفيلم يقدمان معًا أغنية من التراث الإفريقى فى الملهى، ليس مهمًا أن تدرك كلماتها، فلم تتم الترجمة على الشاشة لأنها من الفولكلور، إلا أنك تستشعر النغمة وكأنها تسكن قلبك.

الأخوان (داردين) أيضا يختصران الأحداث فى أقل مساحة زمنية، وهكذا تتدفق اللقطات سريعًا دون أى ثرثرة.. وبذكاءٍ، أجاد المخرجان توظيف الأغنية (الفولكلورية) التى ردداها فى الملهى ليقدمها (أتورى) بمفرده هذه المرة أمام القاضى وهو يتابع محاكمة من قتلوا (لوكيتا).

إنها حالة خاصة فى الرؤية والروح والتتابع، ولهذا استحقت الجائزة الماسية فى عيد المهرجان (الماسى)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon