زادت كثيرًا مساحة المسلسلات ذات الـ15 حلقة، وصارت مسيطرة على جزء كبير من المشهد الرمضانى، أظنها في طريقها لتصبح هي القاعدة، بديلًا عن الـ(30)، وكم من الجرائم ارتكبت تحت هذا الرقم.
إنها واحدة من حسنات (المنصات) التي انتشرت في السنوات الأخيرة، وحطمت هذا (التابو) الذي اخترعناه لأسباب اقتصادية تسويقية، والكل شارك في تأكيده، لأن الكل مستفيد من رقم 30، تنتعش الأجور بالطبع كلما ازداد عدد الحلقات.
(المنصات) اتبعت الأسلوب المنطقى والعلمى، وهو أن الفكرة الدرامية تفرض زمنها، وهكذا وجدنا بعض الأعمال 8 حلقات، وأخرى 9، وثالثة 12، المتلقى على الجانب الآخر بات أكثر وعيا وإدراكا، ولهذا سيعلو صوته بالغضب كثيرا هذا العام، لو وجد أن الأمر لم يزد عن كونه حشوا في حشو، ارتبطنا جميعا بهذا التعبير الذي بات ملازما للأعمال الدرامية (المط والتطويل).
هناك حسبة اقتصادية هي التي تدفع لزيادة عدد الحلقات، الديكور الذي تستخدمه في 30 حلقة سيوفر لك، ولكن لو فقط 15 فهو مكلف ماديا، لصالح كل الأطراف العدد الزائد، كما أن هناك معادلة أدبية، كانت قائمة في الماضى قبل نحو خمس سنوات عندما بدأ الحديث عن حلقات 15 كان ينظر إليها باعتبارها للنجوم والمخرجين الذين لم تتأكد جدارتهم بعد، تغيرت تماما تلك النظرة مع اتجاه نجوم كبار ومخرجين راسخين لهذا النوع.
ويبقى أن الأمور يجب أن يحكمها المنطق، تعود كتاب الدراما على العمل طبقا لما يريده الإنتاج، وهكذا يسرفون في تقديم ماضى الشخصية في عدة حلقات، وأحيانا نرى البطل يصلى أو يتوضأ ونتابعه في كل طقوس الصلاة والوضوء، برغم أنها ليس لها علاقة بالدراما.
الفن هو الاختزال، وكما قال يحيى حقى، وكرر ذلك تلميذه إبراهيم أصلان، الكتابة بـ(الأستيكة)، وليس بالقلم، أي أنك تمسح أكثر مما تكتب.
العمل الفنى يأخذ حجمه الدرامى من خلال بنائه، مثلا أسامة نور عكاشة كتب (ليالى الحلمية) خمسة أجزاء 150 حلقة، كانت هذه هي خطته من البداية، وعندما أضيف جزء سادس- قبل خمس سنوات بعد رحيل أسامة- حقق فشلا ذريعا وكل من شارك فيه تبرأ منه.
أسامة أنور عكاشة مثلا خطط مسلسل (زيزينيا) ثلاثة أجزاء، قدم منها جزءين فقط، لأن الفخرانى لم يتحمس لاستكمال الثالث فتوقف المشروع، ولم يصر أسامة على استكماله بدون البطل.
قال لى أسامة إن مسلسل (الحب وأشياء أخرى)، بطولة آثار الحكيم وممدوح عبدالعليم، الذي حقق نجاحا ضخما، لم يتجاوز 18 حلقة، طلبوا منه تقديم جزء ثان ورفض تماما.
بعد نجاح (أحلام الفتى الطائر) 14 حلقة، ورفض وحيد حامد كتابة الحلقة رقم 15 رغم أنه سيتقاضى أجرا إضافيا، وكان بالمناسبة في احتياج مادى لثمن الحلقة ولكنه يحترم فنه.
الجمهور سوف يزيد من مساحة الغضب ضد أي حالة ترهل، الأمر كان وسيظل ليس له علاقة بالرقم، ولكن بماذا أضفت في تلك المساحة الزمنية.
ستسقط حتما نظرية (الفطاطرى) التي سخر بها وحيد من الكاتب الذي يتعامل مع الدراما مثلما يتعامل الفطاطرى مع قطعة العجين.
المنتجون سيتشبثون أكثر بالعدد الأكبر والنجم الذي يتقاضى أجره بالحلقة لن يرضى بسهولة التضحية بنصف الأجر، ولكن الجميع سيخضعون مجبرين على الالتزام بما تفرضه الدراما، وسيكتشفون أن الإبداع يكمن في (الأستيكة) وليس القلم!!.