توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نجيب محفوظ والسينما الخجولة!

  مصر اليوم -

نجيب محفوظ والسينما الخجولة

بقلم - طارق الشناوي

على استحياءٍ فى أحد الأفلام المعروضة مؤخرًا، عادت مشاهد بها قليل من الرقص، كما أن هامش المشاغبة فى الحوار زاد قليلا، لمحت ذلك مرة أو اثنتين.

حتى لا يسىء أحد القراءة، ليس المطلوب تقديم سينما رخيصة، تصفق خلف الراقصة أو تلهث وراء (الإيفيه)، ولكن سينما طبيعية، تمزق ثوب الخجل، قد تجد فيها راقصة أو كلمة تحمل ظلالا بدون حساسية مرضية.

المؤكد أن المجتمع متحفِّظ، والنجوم والنجمات أكثر تحفظًا.. ليس معنى ذلك أننى أمنح مثلًا ضوءا أخضر للابتذال، أكيد لا، فقط نريد سينما لا تضع على أفكارها نقابًا، وعلى حوارها برقع الحياء.

فى منتصف الخمسينيات، كان الأديب الكبير نجيب محفوظ فى موقع الرقيب على المصنفات الفنية، وعليه أن يحدد الموقف النهائى من القضايا السياسية الشائكة، وهى مهمة تحتاج إلى عقل يقظ بقدر ما هو مرن، لا يخلو الأمر من مشهد ساخن أو قبلة قد تثير التساؤلات وربما الغضب، الرقيب هو (ترمومتر) للحياة، تَفتُّحه وقناعاته الفكرية وذوقه الخاص تلعب دورًا فى توجيه البوصلة نحو الإباحة أو الحذف.

لم يجد نجيب محفوظ حرجًا فى إعلان موافقته على القبلات بكل أنواعها، ما عدا واحدة فقط، تلك التى على العنق، خاصة لو طالت على الشاشة أكثر من دقيقة، وسألوه فى حوار صحفى (هذا عن الشاشة.. ماذا عن الواقع؟)، مثلا لو رأيت شابا وفتاة يختلسان قبلة فى الشارع؟ أجابهم: (أبدًا، أودى وشى ع الناحية التانية وأبتسم وأقول اوعدنا يارب).

المجتمع كان أكثر رحابة.. نعم، صاغها نجيب محفوظ بخفة ظله حتى تبدو كنكتة، ورغم ذلك كما روى لى المخرج الراحل توفيق صالح وأقرب أصدقاء نجيب محفوظ فى (شلة الحرافيش)، كانت هناك بين الحين والآخر اعتراضات ومطالبات للرقابة بالتدخل، كما أن تعبير (السينما النظيفة) ليس وليد نهاية التسعينيات كما كنت أتوقع، ولكنه موغل فى القدم، كان عدد ممن يمارسون النقد فى الخمسينيات يحصدون عدد الكلمات الجريئة والمشاهد الساخنة والعنيفة ويمنحون الفيلم درجة من عشرة بناءً على التزامه بمكارم الأخلاق.. وأضاف توفيق صالح فى فيلم تسجيلى لى كنت أتناول فيه صناعة (القلل القناوى)، استمعت أثناء مشاهدة الرقابة إلى ضحكة صاخبة لنجيب محفوظ على أحد المشاهد، وبعدها حذف المشهد!.

كان نجيب محفوظ يتدخل فى حالات محددة ونادرة بالحذف بمعيار أخلاقى، هو نفسه أشار إلى فيلم (إغراء) لحسن الإمام 1957، عندما طلب كرقيب إعادة تسجيل أغنية صباح (من سحر عيونك ياه)، كتبها مأمون الشناوى ولحنها محمد عبدالوهاب، بسبب (يااااااااه) التى طالت أكثر مما ينبغى، ووجد أديبنا الكبير بحس أولاد البلد أن الإطالة هنا تحمل معنى حسيًّا، فأعادت صباح التسجيل لتختصرها إلى (ياااه) قصيرة.

الغريب أن الإذاعة المصرية كثيرا ما تقدم حفلا غنائيا لصباح وقد أدت (ياااااااااااه) طويلة أكثر حتى مما احتج عليه نجيب محفوظ، إنه بالتأكيد المجتمع الذى يسمح وليس الرقيب.

تعاطف الناس مع سعاد حسنى فى (خللى بالك من زوزو) لحسن الإمام عام 72 وهى ترقص بدلا من تحية كاريوكا (ألماظية) الراقصة المعتزلة، بينما استهجن عمر الشريف قبلها بنحو عشر سنوات فى (بداية ونهاية) لصلاح أبوسيف، عندما شعر بنذالته بعد أن تنكر لجثة شقيقته العاهرة سناء جميل.. فى الفيلم الأول أراد حسن الإمام أن يعلى من قيمة المواجهة، وفى الثانى أراد صلاح أبوسيف أن يفضح تواطؤ المجتمع.

القُبلة واحد من المؤشرات التى غنت لها أم كلثوم فى فيلم (سلامة) لتوجو مزراحى.. (القبلة إن كانت من ملهوف/ اللى على ورد الخد يطوف / ياخدها بدال الواحدة ألوف / ولا يسمع للناس ملام).. هل رأيتم جرأة أكثر من ذلك، كتبها بيرم التونسى ولحنها الشيخ زكريا أحمد قبل نحو 80 عاما؟!.

نطل على الرقابة بما هو أبعد بكثير من القبلة، ولكن لا بأس أن ننطلق منها. الإبداع يستند إلى قيمة عميقة فى المجتمع تؤمن بالحرية ولا تحاكم الأدب أو الفن من منظور أخلاقى مباشر، حتى إن المبدعين صار بعضهم يتباهى بذلك، وعدد منهم يغازل هذا الجمهور بإعلانه أنه الأكثر تزمتًا.. وتلك حكاية تستحق عمودًا آخر!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجيب محفوظ والسينما الخجولة نجيب محفوظ والسينما الخجولة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon