بين الحين والآخر يحتاج النجم الجماهيرى إلى إعادة ضبط موجته على الناس، وأعتقد جازمًا أن أحمد حلمى بحاجة اليوم قبل الغد إلى إجراء (ريستارت) عاجل لكل أدوات التعبير، بعد أن اتسعت المسافة بينه وبين مشاعر الجمهور، حلمى أكثر نجم عربى لديه دائرة واسعة من جمهور الأطفال، يدعمونه فى شباك التذاكر، وهكذا يصبح العيد هو المنطقة الرئيسة والمضمونة لرواجه، ولكن هذه المرة، حتى الأطفال فقد تواصله مع القسط الوافر منهم.
أخفق حلمى قبل ثلاث سنوات فى فيلمه (خيال مآتة)، وكان لديه ما يدافع به عن اختياره وهو الخروج عن الصندوق، هذه المرة فى (واحد تانى) سنكتشف أنه ذهب ومع سبق الإصرار إلى (قعر القفة) أقصد الصندوق، لا خيال ولا مواقف ولا قصة ولا مناظر، فعلى ماذا يراهن حلمى؟!.
قبل ساعات قليلة من العرض، سألنى أكثر من زميل عن التوقعات ومن سيكسب فى شباك التذاكر كنت أضع (واحد تانى) فى المرتبة الأولى، ويقينًا لدىَّ أسبابى والتى من الممكن تلخيصها فى ذكاء حلمى، وأيضًا استبشارى بالمخرج الشاب محمد شاكر خضير، رغم ندرة تجاربه السينمائية، حلمى يمتلك رصيدًا ضخمًا من النجاحات، والكثير من أفلامه يمتاز بهامش من المغامرة، ولهذا نظريًّا، كان اسم أحمد حلمى هو صاحب الرهان الأكبر ليحتل مقدمة الإيرادات فى (ماراثون) العيد الذى يعود هذا العام بكامل عنفوانه وقوته بعد زوال زمن الاحتراز الذى امتد نحو عامين، وعادت دور العرض تفتح أبوابها حتى الخامسة صباحًا.
مع إضافة مشروع وزارة الثقافة (سينما الشعب)، أكثر من شاشة تابعة لقصور الثقافة فتحت أبوابها للجمهور مقابل 40 جنيهًا للتذكرة، وهو ما يستحق تخفيضه للنصف، خاصة فى الحفلات الصباحية، لجمهور الشباب الذى سيجد أن الرقم أكبر من قدرته الشرائية، وهو اقتراح أتمنى أن يجد مساحة لدراسته عند وزيرة الثقافة الفنانة إيناس عبدالدايم.
دور العرض تقدم الآن حفلاتها وتمتد حتى السادسة صباحًا، وهى ظاهرة مصرية بامتياز.
الأفلام التى تواجدت فى هذا السباق، بالإضافة إلى (واحد تانى)، (العنكبوت) و(زومبى)، وقررت فى ليلة واحدة رغم المخاطرة، أن أقتحم الثلاثة.
نقطة انطلاق (واحد تانى) دراميًّا من الممكن أن تفتح الباب، للعديد من المواقف، إنسان يلتقى بعد عشرين عامًا، مع مجموعة من أصدقائه القدامى بالجامعة كل منهم يستعرض ما حققه وما أخفق فيه.
يكتشف حلمى الذى يعمل أخصائيًّا اجتماعيًّا فى السجون، أنه برغم اقترابه من عالم الجريمة فإنه أبعد ما يكون عن الإيجابية فى كل تعاملاته مع الحياة، تبدأ الحكاية من نقطة ساخنة وهى سرقة أمواله وهو أمام ماكينة الصرف.
يقرر عندما يرى أحمد مالك شقيق صديقته السابقة روبى أن يأخذ (قرص) أو بالأحرى (لبوس) ونكتشف الشخصية الأخرى بداخله والتى لم تتح لها الظروف للخروج الحياة، تنويعة أخرى على حبوب يوسف السباعى فى قصته (أرض النفاق)، طبعًا اللبوس ومنطقة وضعه تستحق أكثر من (إيفيه) ولكن زاد الكاتب هيثم دبور من الجرعة، إلا أن هذا ليس هو بالضبط ما دفع العمل للتراجع، ودفع السيناريو إلى (حارة سد) ولا توجد أى مسارات درامية موازية ؟.
أغلب أعمال حلمى تبدأ بفكرة ويجرى منحها الدماء مثل (عسل إسود)، (ألف مبروك)،(إكس لارج) وغيرها، أعلم أن حلمى يشارك فى الأفكار حتى لو لم نر اسمه على (التترات) بحكم موهبته وخبرته يضيف عددًا من التفاصيل، وقطعًا هناك (ترمومتر) دقيق لضبط الجرعة ومع الأسف (الترمومتر) هذه المرة أصابه العطب.
الخيال ليس فقط فقيرًا بل كسيحًا، ذروة الضحك لديه لم تتخط مكان (اللبوس)، ممكن مثلًا أن تضحك مرة أو مرتين ثم يتحول (اللبوس) إلى عبوس.
المخرج محمد شاكر خضير من الموهوبين خاصة على الشاشة الصغيرة مثل (طريقى) و(جراند أوتيل)، ومع وجود مصادر أجنبية للحبكة يتم التعاقد على شرائها، إلا أنه مخرج موهوب وقدم قبل نحو عشر سنوات الفيلم الكوميدى الناجح (هاتولى راجل).
هذه المرة كادت الشاشة تقول (هاتولى مخرج)، لمحات نادرة من الممكن أن تُسفر عن مجرد شروع فى ابتسامة، قيد المخرج نفسه بفكرة لم تسمح بالإضافة، وهى وضع (اللبوس) الذى يؤدى إلى انتفاض شعر رأس (الملبوس)، وهكذا نصبح بصدد شخصيتين، واحدة تعبر عن نفسها بتمرد الشعر والثانية ينام فيها الشعر على أحد الجانبين، وكثيرًا ما تتداخل الشخصيتان، فى لحظات تبدأ الكاميرا فى الانتقال بينهما فى لقطات متتابعة، ومع التكرار يفقد الإيحاء فى التعبير جدواه.
كما أن فكرة وضع البطل فى (الكرتونة) والتى تعنى (إنسان يولد من جديد)، كانت بحاجة إلى خيال أكثر خصوبة فى التعبير. فى فيلمه الأول (هاتولى راجل) استهوت المخرج فكرة الافتراض (ما ذا لو؟)، ماذا لو صارت المرأة هى التى تحكم العالم؟ هذه المرة ماذا لو أفرجنا عن الشخصية الكامنة فى الإنسان، وظل الشريط السينمائى يتحرك (محلك سر)؟!.
يتحمل حلمى القسط الأكبر من تلك الهزيمة، ويقينى أنه قادر على التمرد على نفسه أولًا، بعد أن حان وقت الثورة، أكيد هناك عطب ما فى التواصل مع الجمهور، أتصور أن الأرقام فى الشباك سوف تؤكده. وغدًا نستكمل رحلتنا مع ثانى أفلام العيد (العنكبوت)، وهذا المقال عن صاروخ قادم للكوميديا اسمه (منى زكى)!.