توقيت القاهرة المحلي 06:34:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سلماوي مع أوديب في الطائرة!!

  مصر اليوم -

سلماوي مع أوديب في الطائرة

بقلم - طارق الشناوي

لحظة فارقة عندما تأتى الأوامر بإيداع الرئيس الأسبق فى السجن، تنفيذا للحكم الصادر ضده، يرفض النزول من الطائرة، وتفشل كل المحاولات، فهو من ملامحه العناد، إلا أنه، فى نهاية المطاف، يقرر أن يهبط السلم، متجها على قدميه إلى حجرته المجهزة بكل أسباب الراحة داخل السجن، لم يشعر ولو للحظة واحدة بأنه خان الأمانة.

عرض عليه الإقامة داخل قصر منيف فى بلد عربى شقيق ولديه فريق عمل، يلبى كل طلباته، إلا أنه أبى على نفسه وتاريخه أن تكتب فقرة فى نهاية (كتاب الحياة)، تشير إلى أنه هاجر، مهما كانت الدوافع والأسباب، فلقد عاش على أرضها وسيوارى جسده التراب تحت أرضها.

حرص سلماوى، وهو يقدم الحدث، على أن نتابعه عن طريق (فلاش باك) يروى الحكاية منذ تردده فى نزول سلم الطائرة حتى اقتناعه بأن هذا هو الموقف الذى يليق به وبتاريخه، متمثلا الخط العام لمأساة أوديب، والخط العام لحياة الرئيس، مع خلق معادل موضوعى لكل المواقف التى عاشها الرئيس، تؤكد التماثل، وفى نفس اللحظة، تحتفظ بتلك المسافة الزئبقية، التى تتغير بين حدث وآخر، تمنح المتلقى شفرة لقراءة الحدث، يصبح هو فقط المسؤول عن التفسير، القراءة للجميع.

أنت فقط الذى تتحمل المسؤولية عن التفسير، عندما تعيد التشابك والملابسات، وبعد أيام قلائل من إيداعه السجن يرحل الرئيس عن الحياة، ويظل التماثل قائما بين مأساة أوديب واللعنة التى أصابته عندما قتل أباه وتزوج أمه، وبين مأساة بطل هذه الرواية، فهو يعتقد مثل أوديب أنه برىء تماما من تلك اللعنة التى ألصقوها به، ومع كل نفى يتعمدون أكثر تأكيدها وكأنها القدر الذى لا فكاك منه.

تكنيك السرد الذى أمسك به الكاتب الكبير محمد سلماوى لا يشبه هذه المرة أحدا سوى سلماوى، بإطلالة تجمع بين التراجيدية لما قبل التاريخ وأحداث كان سلماوى شاهدا عليها حينا، ومشاركا فى جزء من تفاصيلها حينا آخر.

لا تستطيع أن تعتبر تلك شهادة مباشرة عما جرى بالضبط فى 25 يناير، ولا هى أيضا تقف على أرض الحقيقة، بقدر ما أنها، ومنذ البداية، تتجاوز الواقع، حتى لو تماثلت فى بعض الوقائع، فهى تشبه قراءتنا (لأولاد حارتنا) لنجيب محفوظ، ومن أساءوا الظن عند التعامل معها هم الذين حملوها رؤية مباشرة، تمس الذات الإلهية وتاريخ الأنبياء، وهى أبدا ليست كذلك، بل أى تماثل مباشر يغتال الرواية، وهو أيضا ما ينطبق على (أوديب فى الطائرة) لسلماوى، عدد من التفاصيل التى يعرفها الجميع حرص سلماوى على استبدالها، ليظل أى تماثل هو فى نهاية الأمر قراءة خاصة بك أنت، وتتحمل نتائجها وحدك.

أرى فى البناء الروائى رؤية بعيدة عن الحدث المباشر، لأفق أبعد فى التناول، تفتح الباب لشكل جديد فى السرد قابل لمزيد من العمق، فى التجارب القادمة.

منهج سلماوى، كما رأيته فى هذه الرواية، يفرض عليه أنه كلما اقترب من الحدث المباشر وصار هناك تلامس إلى حد التطابق ووضع (الحافر على الحافر) كما يقول علماء اللغة، يمنحك الكاتب نغمة مغايرة تماما تبعدك تماما عن اللحن الأصلى.

القراءة السياسية المباشرة تظلم الرواية، وفى نفس الوقت لا يمكن أن تقرأها بمعزل عنها. ما إن تصافح عيناك أولى كلمات (أوديب فى الطائرة)، إلا وتجد نفسك وقد أمسكت بها وحلقت معها، حتى آخر صفحة، لتبدأ من جديد خلق صورة لها عليها توقيعك أنت!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلماوي مع أوديب في الطائرة سلماوي مع أوديب في الطائرة



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
  مصر اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 23:46 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

انتعاشة فنية لـ حنان مطاوع بـ 3 مسلسلات وفيلم
  مصر اليوم - انتعاشة فنية لـ حنان مطاوع بـ 3 مسلسلات وفيلم

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر

GMT 23:35 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

بورصة تونس تقفل التعاملات على تراجع

GMT 01:08 2020 الأحد ,19 تموز / يوليو

طريقة عمل الشكشوكة التونسية

GMT 22:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

أستون فيلا ينهار في ١١٤ ثانية أمام تشيلسي

GMT 23:30 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

السودان تسجل 215 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon