بقلم - طارق الشناوي
البحث عن بطل، لو لم نجده لاخترعناه هكذا ارتحنا ونحن سعداء بالمعنى الجميل الذى يعبر عن قناعاتنا أو رغباتنا أو حتى إحباطنا.
هل كان محمد فوزى هو الفنان الوحيد الذى قال لا لعبدالناصر ورفض الغناء باسمه، فأصابته طعنات رجال ناصر؟ طال التأميم مطلع الستينيات شركته (مصر فون)، بينما لم يقترب أحد من شركة منافسيه (صوت الفن) لمحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، لأنهما غنيا بمناسبة وبدون مناسبة لعبدالناصر.
يبدو فوزى فى صورة بطل يقول (لا على جثتى)، كما أنها تؤكد صورة عبدالناصر، الذى يريد أن يحيل الوطن إلى بوق للهتاف باسمه. سألت قبل بضع سنوات الأستاذ سامى شرف، سكرتير الرئيس عبدالناصر، عن الحقيقة، فطلب أن أمهله عدة أيام للعودة لأوراقه، إلا أنه بعد أقل من ساعتين عاود الاتصال وقال لى: فوزى لديه مصنع أسطوانات وليس مجرد شركة، ومن هنا جاء قرار التأميم، الذى كان يستثنى الشركات الصغيرة، ربما كان عبدالوهاب وعبدالحليم كانا أكثر حصافة، وحافظا على سقف مالى محدود لشركتهما.
قرار التأميم جاء عشوائيًّا، مهما وجد فيه البعض ضرورة مثل الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذى رحب بتأميم الدولة لمؤسسة (روزاليوسف).
هل حقًّا لم يغن فوزى لجمال؟ تاريخيًّا بدون علم عبدالوهاب غنى فوزى لحنه (ناصر كلنا بنحبك)، وعندما سألوه، قال لهم: لم يستطع عبدالوهاب غناءها كما ينبغى، وأقام عبدالوهاب دعوى ضده لمصادرة الأسطوانة، أتمنى ان يعثر عشاق فوزى على هذا التسجيل النادر.
زمن ثورة 23 يوليو دفع الفنانين أو لنقل العدد الأكبر منهم إلى رؤية ملامح الوطن فى ملامح الزعيم، مراهقة شعورية، الكل غنى لعبدالناصر، وتتعدد الدرجات هناك من غنى إيمانًا بالرجل ومبادئه ـ أو من غنى خوفًا أو نفاقًا، ولا أتصور أن الأمر كان متاحًا للجميع دون الحصول على ضوء أخضر، كانت البداية مع أم كلثوم، حتى قبل أن يصبح عبدالناصر رئيسًا للجمهورية.
غنت (يا جمال يا مثال الوطنية) عام 54 بعد المحاولة الفاشلة لاغتياله فى ميدان المنشية، وكان محمد نجيب هو رئيس الجمهورية، رددت: (أجمل أعيادنا المصرية بسلامتك يوم المنشية)، التى غيرها الشاعر بيرم التونسى مرتين، الأولى بعد أن أصبح جمال رئيسًا فصارت عام 55 (أجمل أعيادنا المصرية برياستك للجمهورية)، إلا أنه بعد 58 وإعلان الوحدة مع سوريا صارت (أجمل أعيادنا العربية برياستك للجمهورية)، وقدم رياض السنباطى لحنًا أقرب لحلقات الذكر، نصف ساعة تعيد أم كلثوم وتزيد نفس (الكوبليه) وتنهيه قائلة: (ردوا عليه) ويردون طبعًا عليها (الكورس) على المسرح، وأيضًا الجمهور فى الصالة.
أين فوزى من كل ذلك؟ لا أتصور سوى أنه أراد مثلهم، أن يغنى، ولكنه كان يبحث عن الفكرة، كان يضع فى ذهنه أيضًا النجاح الجماهيرى الذى حققه الثلاثى صلاح جاهين وكمال الطويل وعبدالحليم، كما كانت هناك أيضًا ثنائية بين عبدالوهاب والشاعر حسين السيد، ووجد فوزى أنه من الممكن أن يغنى لعبد الناصر من خلال الأطفال، وهو اللون الذى لا ينافسه فيه أحد، وجاءت أغنية (كان وإن/ إن وكان) التى كتبها حسين السيد، تبدأ بهذا المطلع (بابا كان له صاحب ضابط جوه الجيش)، وتنتهى (عارفين مين كان صاحب بابا؟) يرد الأطفال (بابا جمال)، ويغنى فوزى: (وحبيبنا وقائد ثورتنا) يرد الأطفال: (بابا جمال) ويغنى فوزى: (واللى رجع لنا وحدتنا) يرد الأطفال: (هو بابا جمال هو بابا جمال هو بابا جمال) والأغنية مسجلة فى حفل نهاية الخمسينيات.
فوزى لم يتم عقابه لأنه لم يغن لعبد الناصر، لسبب أنه لا هو ولا غيره كان يملك أن يقول لا لعبدالناصر، وعلى فكرة محرم فؤاد بعد رحيل عبدالناصر ردد شيئًا مشابهًا قائلًا إن الدولة بكل أجهزتها جاملت عبدالحليم لأنه غنى لعبدالناصر، بينما هو رفض فناصبوه العداء، هذه أيضًا (فنكوش)!.