توقيت القاهرة المحلي 06:29:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفيلم البلجيكى «قريب» يترك لك مساحة من الفراغ تملؤها أنت!

  مصر اليوم -

الفيلم البلجيكى «قريب» يترك لك مساحة من الفراغ تملؤها أنت

بقلم - طارق الشناوي

كل منا عندما ينتهى المهرجان يفتش فى الذاكرة باحثًا عما تبقى بين نحو 50 فيلما شاهدها. من المؤكد يتبخر مع الزمن عدد لا بأس به منها.

دائمًا أقول إن أسوأ علاقة بالسينما هى تلك التى نعقدها فى المهرجانات. أنت لا تمنح أى فيلم مهما بلغ مستواه أى مساحة من أن تعايشه وتتأمله داخلك، عليك دائما أن تتعلم سرعة التخلص من الفيلم الذى انتهيت توًا منه حتى تستطيع ملاحقة الثانى، كلنا فى المهرجانات نلهث من فيلم إلى آخر، فلا وقت متسع أمامنا لتأمل شىء، إننا لا شعوريًا نسير على خطى (قاسم) الذى ذهب إلى مغارة (على بابا)، أراد أن يحصل على القسط الأكبر من الذهب والزمرد والياقوت ولم يستطع الخروج لأنه نسى كلمة السر (افتح يا سمسم).

لا يمكن تصور أن هناك إنسانًا تتحمل قدراته الاستيعابية أكثر من أربعة أفلام فى اليوم، وقد تزيد كحد أقصى إلى خمسة.. أكثر من ذلك من وجهة نظرى يحدث قدر لا ينكر من التشويش، مع اعترافى بحالات استثنائية لعدد محدود جدا من النقاد والسينمائيين الذين كثيرا ما التقيتهم فى المهرجانات وهم من يطلق عليهم (سينيفيل)، إنهم عشاق متيمون ومدمنون للسينما مثل: الأساتذة الراحلين المخرج محمد خان، والناقد والكاتب د. رفيق الصبان، والإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله. التقيتهم داخل وخارج مصر فى عشرات المهرجانات، وكثيرا ما كانوا يتجاوزون فى أرقام المشاهدة العدد الذى ينبغى أن يتوقفوا عنده.. ليس لديهم حد أقصى.

الحصيلة بالنسبة لى كما أسلفت لم تتجاوز الخمسين، تباين قطعا مستواها، لو طلب منى أن أكتفى بذكر واحد منها، أجد الفيلم البلجيكى (قريب) الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الكبرى مناصفة- وهى تلى فى الأهمية السعفة- يستحق بسبب قدرته التعبيرية أن يحتل تلك المكانة الخاصة.

أقوى ما فى السيناريو الذى كتبه المخرج لوكاس دونت، الحاصل على (الكاميرا الذهبية) للعمل الأول قبل أربع سنوات عن فيلم (فتاة)، أنك ستكتشف أن المخرج فى فيلمه الجديد (قريب) لا يبتعد كثيرا عن هذا العالم فى تحليل الشخصية، ويترك مساحة ما للمتفرج، يضيفها هو هناك أكثر من مشهد غير مكتوب على الورق، بينما عين المتلقى هى التى ترسمه، مما يزيد الإحساس بالحميمية. الحالة الدرامية تقف على حافة (الميلودراما) ولكننا لا نصنف الفيلم باعتباره يقع فى هذا القالب، فقط على الحافة.

الفيلم يروى العلاقة بين صديقين فى مرحلة المراهقة، شاهدناهما فى بداية الفيلم يمرحان معا، يتشاركان حتى فى سرير النوم، علاقة تحدث كثيرا فى تلك المرحلة العمرية ولا تثير الشكوك أبدا، ولكن فى دائرة أخرى أوسع قليلا داخل المدرسة نلمح الشكوك بين الزملاء وبعض الهمسات، وهو ما يدفع أحدهما إلى أن يتوجه أكثر للألعاب الرياضية، ويتشاجران أكثر من مرة فى المدرسة، وفى مشهد لا نراه مباشرة ولكننا نتخيل حدوثه، يصل الصراع إلى أن يضرب الصديق صديقه بالعصا، كل هذا يجرى بلا أى شكوك جنائية، فلم تشعر أسرة الفتى بأن هناك جريمة ما، والجمهور لم ير شيئا.

من أعمق لمحات السيناريو تأتى أم أحد الطفلين لتخبر ابنها بأن صديقه تعرض لمشكلة صحية، يرد عليها: هل هو فى المستشفى؟ تأتى الإجابة رحل، أنت كمتلقٍ للفيلم لا تشك فى أن هناك شيئا ما غامضا فى الحكاية، الأمر بنسبة كبيرة يبدو طبيعيا وتلقائيا، والهدف أن يظل المتفرج فى حالة حياد، لا يستشعر أن هناك أبدا احتمال جريمة.

يحرص الابن على أن يأتى مجددًا لغرفة الصديق التى أبقت الأم على كل تفاصيلها كما هى، ويأتى لزيارتها، يتسرب إليها الشك، تسأله: هل حدث شىء بينكما؟ يجرى إلى الحديقة وتلهث خلفه، يُمسك بعصا ملقاة على الأرض ويبكى، نفهم منها ما الذى يقصده، تحتضنه الأم، تصل الرسالة بالتسامح، هل كان ينبغى أن تقدم الصبى للمحاكمة بتهمة القتل؟.. إنها أيقنت أن هذا لن يعيد إليها ابنها بل سيحرمها أيضا من صديقه.

العلاقة بينهما ملتبسة، قطعًا فى اللقطات لم يوحِ المخرج بأى علاقة مثلية، ولكن الزملاء فى المدرسة بكلمات تحمل نوعا من التعريض أوصلتهما إلى تلك المعانى التى تتجاوز الحقيقة التى شاهدناها على الشريط السينمائى. وتبقى قيمة التسامح هى الغالبة على الفيلم، ولا يمكن تصور أن أمًّا تمنح هذا الإحساس ببساطة، ولكن الدراما من خلال نظرات الأم ذهبت لما هو أبعد مما يحدث على أرض الواقع.

لماذا يبقى فى الذاكرة هذا الفيلم مستحقا أيضا الجائزة الكبرى؟ إنه التكثيف الذى وصل به المخرج فى اللقطة الأخيرة إلى الذروة، وأجاب عن سؤالين: كيف رحل الابن؟، والثانى ما موقف أم القتيل من القاتل؟.

المعنى الدرامى، بأقل عدد لقطات ومن خلال التكثيف، يصل بكل أبعاده للمتفرج.. هذا هو سحر السينما عندما تصل بالفيلم إلى قمة التماهى مع الناس، وهى أن تترك مساحة لكى تكمل أنت اللقطات العابرة. المتفرج السلبى الذى ينتظر كل شىء (على بلاطة) تجاوزته السينما.

انتهت رحلتنا مع مهرجان (كان) فى تلك الدورة التى أراها الأهم خلال السنوات الأخيرة، كما أنها شهدت لأول مرة مهرجانًا أعادنا لزمن ما قبل (كورونا)، عنوانه الزحام أمام دور العرض، وعلى بعد خطوات من السجادة الحمراء بلا أى بقايا من ملامح احترازية!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلم البلجيكى «قريب» يترك لك مساحة من الفراغ تملؤها أنت الفيلم البلجيكى «قريب» يترك لك مساحة من الفراغ تملؤها أنت



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon