بقلم: طارق الشناوي
فجأة تحركت جيوش إلكترونية ترفع شعار «الإسكندرية لا ترحب بك»، يقصدون محمد رمضان، هل يجرؤ أحد أن يتحدث باسم مدينة كانت هي تاريخياً بوابة مصر للعالم، وبوابة العالم لمصر؟
عندما يقام حفل غنائي أو مسرحي في أي مكان الفيصل هو الناس، لا أحد مثلاً يستطيع أن يقول إن جماهير القاهرة ترفض عرض هذا الفيلم، ولكن من حق الرافضين ألا يقطعوا تذكرة، وعندما يجد صاحب دار العرض أن حصيلة شباك التذاكر (زيرو) يلغي العرض، وبالمناسبة بين الحين والآخر ترفع لافتة إلغاء عروض أفلام أو حفلات لإحجام الجمهور، في النهاية من يملك القرار هم الجمهور المستهدف.
الإسكندرية تاريخياً نموذج للمدينة «الكوزموبوليتانية» متعددة الأعراق والأديان والألوان والثقافات واللغات واللهجات، هي أول مدينة عربية عرفت السينما بعد 11 شهراً فقط من انطلاقها في باريس علي يد (الأخوين لويس وأوجست لوميير).
قدمت الإسكندرية لمصر الموسيقار العبقري سيد درويش ورسامين بحجم الأخوين (سيف وأدهم وانلي) ومحمود سعيد ومخرجاً مثل يوسف شاهين وغيرهم، ولم تتوقف أبداً، عن إرسال أو استقبال المبدعين من كل بقاع المعمورة.
أعلم أن محمد رمضان بأقواله وأفعاله، كثيراً ما يؤدي إلى زيادة معدلات الغضب المجاني، ربما كانت تلك وسيلته في البقاء على قمة «التريند» 24ساعة يومياً، إلا أنه يظل حالة استثنائية، دأبت السينما طوال تاريخها على الاستعانة بمطربين للتمثيل على الشاشة أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وعبد الحليم وفيروز، وغيرهم، وعلى الجانب الآخر، لم نرَ العكس، ممثل يحترف الغناء، رمضان هو الممثل الوحيد طوال تاريخ الفن، الذي أقدم على هذه الخطوة، انتقل من التمثيل على الشاشة للغناء للناس، محققاً أعلى الإيرادات، والدليل نجاح حفلاته داخل وخارج مصر.
عدد كبير من كبار النجوم غنوا في الأفلام أو ضمن مسرحياتهم، مثل عمر الشريف وعادل إمام ومحمود عبد العزيز ونور الشريف وأحمد زكي ويسرا وليلى علوي وسهير البابلي وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي وغيرهم، لم يجرؤ أحد على تقديم حفل غنائي، رمضان دائماً يفعلها، قدم شيئاً مختلفاً يشبهه، أقرب «للشو» الاستعراضي، وبه أيضاً ملمح أكروبات وسيرك وأحبال معلقة في الهواء، وشماريخ نارية، يأتي للمسرح ومعه أسد أو نمر أو حتى تمساح.
له جمهور يفضل أن يراه على هذا النحو، لا يمكن في ظل عصر السماوات المفتوحة مصادرة حق الفنان في تقديم نفسه بأسلوبه، كما أن للجمهور على الجانب الآخر، حق القبول أو الرفض، وهذا هو سر وسحر الفن.
البعض يعتبر أن ما يقدمه رمضان لا ينطبق عليه توصيف الفن؟ لا بأس كل إنسان حر في اختيار التوصيف، أنا مثلاً لا تزال أذني تقف عند شاطئ الطرب، إلا أنني أعلم أن هذا الجيل يتابع الراب والمهرجانات، وأن كل أفراحنا العربية لا تخلو منهما، ولا أجد ما يمنعني قطعاً من معايشة الزمن.
رمضان لن يجبر أحداً على الذهاب إليه، هناك مقابل مادي ستدفعه و(الغاوي ينقط بطاقيته).
الفن هو أكبر وأصدق وأهم ملعب للديمقراطية في العالم، التصويت فيه علني والصناديق شفافة لن يستطيع أحد تزويرها، لن تتمكن من خداع كل الناس كل الوقت.
البعض يقول إن رمضان مجرد ظاهرة وستنقشع قريباً، من حقك أن تتبنى هذا الرأي، إلا أنه وحتى انقشاعه، عليك إدراك أن العصمة بيد الجمهور، ولا أحد يملك مصادرة حق الناس.
يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، وامتحان رمضان بالإسكندرية يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، سنعرف جميعاً وعلى الهواء هل يكرم أم يهان؟