بقلم - طارق الشناوي
انتقل مسلسل (فاتن أمل حربى) إلى منطقة شائكة وأشد وعورة، وأتمنى أن يتم التعامل معه ببساطة، وذلك عندما وجد القاضى خالد سرحان وهو لا يزال فى عز معركته القانونية مع قانون الأحوال الشخصية المستمد من قراءة العلماء للشريعة للإسلام، أن عليه نظر قضية (خلع) لفاتن أخرى واسمها كاملا (فاتن أمل جرجس)، لا يوجد طلاق فى الديانة المسيحية إلا لعلة الزنى استنادا إلى الآية الصريحة فى الإنجيل (ما جمعه الله لا يفرقه إنسان).
كل الأعمال الدرامية تتعامل بقدر لا يُنكَر من الحساسية مع الشخصية المسيحية، وفى أحيان كثيرة تبتعد عن الدخول لتلك المساحة المثيرة خوفا من الأزمات ودرءا لها، وآخرها مسلسل (أوان الورد) وقبلها بسنوات قلائل فيلم (بحب السيما).
المتفرج المسلم لا يدرك الكثير عن الديانة القبطية، بينما المسيحى يعرف الكثير بحكم أن القضايا الدينية الإسلامية تناقش على (الميديا).
فيلم (بحب السيما) 2004 كان جريئا فى الغوص داخل تلك التفاصيل وغيرها، حيث كان الزوج محمود حميدة (أرثوذكس) والزوجة ليلى علوى (بروتستانت)، بينما تلك الفروق لا يدركها عادة المواطن المصرى، الكثير من المبدعين يفضل الوقوف على الشاطئ البعيد، المثقفون فى بلادنا لم يصلوا أبدا إلى جرأة المخرج أسامة فوزى الذى أبدع وهو يقدم السيناريو الممتع للموهوب الاستثنائى الكاتب هانى فوزى برؤية اجتماعية للشخصية القبطية.
القراءة الصحيحة أنهم عائلة مصرية أولًا قبل أن نلحظ الديانة، وهذا هو المفتاح الحقيقى لفك شفرة الفيلم، إلا أن الدولة قبل 18 عاما توجست من ردود الفعل وتعاملت معه باعتباره شأنا قبطيا، هل المثقفون فى تعاطيهم مع الأعمال الفنية يتحررون من القيود الدينية، أم أنهم صدى مباشر للمجتمع بكل تعقيداته وتزمته؟.
مدير الرقابة وقتها د. مدكور ثابت، وجد أن الحل لتمرير الفيلم أن يوافق عليه عدد من المثقفين الأقباط،، شكّل لجنة مكونة من سبعة بينهم مسلم واحد - الناقد أحمد صالح - هذه اللجنة أصدرت قرارًا برفض الفيلم، وطالبت بتدخل الكنيسة من خلال رجال الدين المسيحى بطوائفهم الثلاث.. من ضمن أسباب الرفض أن الفيلم يتعرض لأحد أسرار الكنيسة السبعة (الزواج).. تنبه أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وقتها «د. جابر عصفور» لخطورة الموقف، فشكل لجنة أخرى بها أيضًا عدد من الأقباط، ولكن مع إتاحة الفرصة لمن هم أكثر رحابة فكرية، وتمت الموافقة على عرض الفيلم كاملا.
تطرُف المثقفين واستسلامهم للرؤية الدينية والأخلاقية المباشرة لا يزال هو المسيطر على قسط وافر منهم. أتذكر أن بعض النقاد فى عام 2001 أعلنوا الغضب، لأن المخرج داوود عبدالسيد فى فيلمه (مواطن ومخبر وحرامى) قدم حرامى مسلما، وهو الدور الذى لعبه شعبان عبدالرحيم، وهكذا صرنا المشكلة بدلا من أن نصبح الحل.
ولم يسلم المثقفون من تلك الحساسية، رغم أن البابا شنودة فى لقائه مع فريق عمل مسلسل (أوان الورد) 2007 إخراج سمير سيف، داعب وحيد حامد كاتب المسلسل قائلا للغاضبين من رجال الكنيسة: المفروض تشكروه.
ما الذى سيحدث مع مسلسل (فاتن أمل حربى) الذى قدم الوجه الآخر للصورة، فاتن المسيحية التى أدت دورها ياسمين وافى؟.. أتمنى أن يملك المجتمع القدرة على التعامل ببساطة مع تلك الأعمال الدرامية التى تنكأ جراحنا الاجتماعية، والتى لا تفرق بين مسلم ومسيحى!.