بقلم:طارق الشناوي
قبل نحو ثلاث سنوات حدث انفجار مدوٍ بالقرب من معهد الأورام المطل على شارع قصر العينى، الصوت أفزع المرضى وعاشوا حالة غير مسبوقة من الذعر، وانتفضت قلوب المصريين، تواصلت مع مطرب شهير، كان بيننا وقتها قدر من الصداقة، واقترحت عليه أن يقدم حفلا غنائيا تذهب حصيلته للمعهد، الذى تصدعت بعض أركانه، كما أنه بحاجة إلى تحديث أجهزة طبية تقدر بالملايين، وأضفت: ياريت يشارك أيضا المرضى الذين يواجهون ببسالة المرض من المؤكد ستكتشف عددا من الموهوبين، كان صوته مليئا بالسعادة والحماس، وأكد لى أنه لن يتوانى عن التواصل مع المسؤولين وعمل اللازم، ومع الزمن تلاشى كل شىء، حتى صداقتنا.
المطرب مثل عدد كبير من النجوم، لم يسبق لهم التعامل مع فضيلة اسمها المسؤولية الاجتماعية، تلك التى نراها فى العديد من المواقف، وعبر عنها قبل ساعات (مو صلاح) وصارت (تريند)، عندما طرق باب سيدة عجوز مرتديا زى (بابا نويل) ومنحها هدية، قبلها بأشهر قليلة أقام حفلا لمؤمن زكريا ليشارك لاعبى (ليفربول) فرحتهم بالكأس.
أين نجومنا من كل ذلك؟ ولا الهوا.
قبل نحو أسبوعين طلبت من نقيب الممثلين النشط، أشرف زكى، إقامة حفل يشارك فيه النجوم، من نقابات الممثلين والموسيقيين والسينمائيين، تذهب حصيلته لصناديق المعاشات ولإعانة المرض فى النقابات الثلاث، وما أكثرهم فى السنوات الأخيرة، بسبب وقف الحال بعد تداعيات (كورونا)، وفى لقاء عبر فضائية (صدى البلد) مع الإعلامية الكبيرة عزة مصطفى أعلن أنه سيقيم هذا الحفل، أتمنى فعلا ألا يفتر حماسه.
العطاء الاجتماعى واحد من القيم التى اختفت- فى العقود- وليس فقط السنوات الأخيرة.
فى الماضى كان هذا هو العادى جدا، الإذاعية الراحلة سامية صادق كانت تقدم برنامجا بالإذاعة المصرية اسمه (حول الأسرة البيضاء)، فى كل أسبوع تذهب لأحد المستشفيات الحكومية، بصحبة مطرب أو نجم شهير ويشارك المرضى المطرب فى الغناء، وهكذا استمعت إلى فريد الأطرش وصباح وشادية ونجاة وفايزة ووردة وغيرهم، تجد مثلا عبدالحليم يتصل بها قائلا (يا سمسمة أنا جايلك هذا الأسبوع)، حتى خارج الحدود، أم كلثوم فى الستينيات بعد زلزال مدمر فى مدينة (أغادير) بالمملكة المغربية، شدت الرحال إلى هناك، وأقامت حفلا، ذهبت حصيلته للضحايا، الذين بلغ عددهم 30 ألفا نصفهم لقوا حتفهم، لن أتحدث عما فعلته أم كلثوم بعد هزيمة 67 عربيا وعالميا، وكيف أنها كانت تسدد من أموالها أجور الفرقة الموسيقية، حتى تذهب الحصيلة كاملة للمجهود الحربى، وأيضا لا أنسى (دار أم كلثوم للخير) وغيرها.
إنها الفضيلة الغائبة عن نجوم هذا الزمن، لا أحد لديه هذا الإحساس من كبار النجوم، وبالمناسبة أقدر وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى بهذا النشاط المكثف والمسابقات التى يقيمها وأغلبها للفن التشكيلى، وداعبته قائلا: وأنت فى الوزارة كنا نشعر بانحيازك للفن التشكيلى، على حساب السينما والغناء، وكنت تنكر ذلك، هذه المرة الدليل واضح وكما قال الشاعر أبوتمام (نقل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول).
ووعدنى الوزير أنه فى العام القادم لن يكتفى بالحبيب الأول، سوف يضيف جائزة للفيلم التسجيلى والقصير والغناء.
فى كل الأحوال، وأيا ما كان موقعك، التاريخ لن يحاسبك فقط عما أنجزته فنيا، لكن عما قدمته بعيدا عن أسوار بيتك، لايزال نجومنا قابعين، مع الأسف، فى بيوتهم!!.