توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«قتلة زهرة القمر».. الماضى عندما يعيده الحاضر مجددًا للحياة!

  مصر اليوم -

«قتلة زهرة القمر» الماضى عندما يعيده الحاضر مجددًا للحياة

بقلم: طارق الشناوي

حاول الأمين العام لمهرجان (كان) تيرى فريمو إقناع المخرج الكبير مارتن سكورسيزى بالتسابق هذه الدورة بفيلمه (قتلة زهرة القمر)، ليصبح العدد 22 فيلمًا، ولكن صاحب الأوسكار مرتين ولا أستبعد أن ينتزع (الثالث) فى العام القادم بهذا الفيلم، اعتذر واكتفى بالعرض الرسمى خارج التسابق. لم يشأ سكورسيزى أن يدخل فى معركة لاختيار الأفضل تخضع فى نهاية الأمر لمعايير وأمزجة لجنة التحكيم التى يرأسها المخرج السويدى روبن أستلوند، ولا يعنى هذا أبدًا أن اللجنة غير قادرة على اختيار الأفضل، ولكن تلك الاختيارات التى تقع تحت عنوان (الجمال الفنى) تخضع فى جزء منها للتذوق الشخصى.

رئيس لجنة التحكيم واحد من أهم مخرجى الألفية الثالثة. حصل روبن أستلوند مرتين على جائزة (السعفة) فى (كان) آخرها العام الماضى عن (مثلث التعاسة) وقبلها بنحو 6 سنوات عن فيلمه (المربع)، وبين الحين والآخر يسند المهرجان رئاسة لجنة التحكيم للمخرج الفائز قبلها مباشرة بـ(السعفة) مثلما حدث قبل سنوات مع المخرج (البوسنى) أمير كوستاريسا.

أعتقد أن فرصة الفيلم فى الأوسكار أكبر، من المؤكد أن هناك أسماء مهمة من كبار المخرجين تقبل التسابق فى المهرجانات وتحديدًا (كان) مهما كان لها نصيب من الجوائز السابقة، مثل كين لوتش الحاصل مرتين على (السعفة)، ولدينا أيضًا فيم فيندر ونانى موريتى وآكى كارويسمكى وغيرهم، كل فنان له حساباته، سكورسيزى حصل على (السعفة) قبل نحو 50 عامًا بفيلم (سائق التاكسى) بطولة نجمه الأثير روبرتو دى نيرو، وكان سكورسيزى وقتها قد تجاوز الثلاثين من عمره بقليل، هو الآن فى الثمانين ولا يزال قادرًا على إدهاشنا فنيًّا، ومن أهم أفلامه (الثور الهائج) و(الأصدقاء الطيبون)، وتلك لمحة أخرى ونحن نترقب الصراع الدائم بين العمر الزمنى وتأثيره سلبًا على المبدع وهى فى المطلق نظرية صحيحة تمامًا، ولكن هناك قطعًا استثناءات، نراها فى كل مجالات، ومضة الإبداع تعتمد أولًا على قدرة المخرج على استيعاب الزمن بكل مفرداته الاجتماعية والسياسية وليست فقط الفنية.

سكورسيزى هو المخرج الذى تنضح الشاشة لديه بكل تفاصيل الشباب، فهو لا يتوقف عند جيل ولكنه موهبة عابرة للأجيال، وأيضًا متابع لحال المجتمع، يجيد الرهان على القادم؛ ولهذا رُشح للأوسكار خمس مرات آخرها (الإيرلندى) الذى عُرض قبل عامين فى افتتاح مهرجان القاهرة بطولة روبرت در نيرو الذى يحتل القسط الأكبر من أفلامه، وسكورسيزى يمتلك مؤسسة دولية لترميم أهم الأفلام العالمية واختار لشادى عبدالسلام (المومياء) وأعاد عرضه مجددًا فى كان قبل نحو 15 عامًا، ووقتها قال عنه وكنت حاضرًا، (تحفة فنية إنسانية، شادى اخترع أبجدية جديدة للسينما المصرية)، وهكذا أعاد الاعتبار لمخرجنا الراحل الكبير الذى حظى بعد تلك الإشادة من مهرجان دبى السينمائى عن (المومياء) بلقب أفضل فيلم فى التاريخ العربى السينمائى وهو أيضًا أفضل مخرج.

قال سكورسيزى إن الذى دفعه لالتقاط هذه القصة، لتقديمها بعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد على يد الشرطى الأبيض قبل ثلاثة أعوام وكلمته المؤثرة التى نقلها المحمول عبر التليفون (أريد أن أتنفس) لا تزال فى الأذهان، المخرج الكبير لا ينعزل عما يجرى فى وطنه وهكذا وقع اختياره على حكاية موثقة من التاريخ حققها الكاتب الصحفى ديفيد جران باسم (قتلة زهرة القمر)، عن قبيلة من السكان الأصليين، تنتمى للأوساج أحد فصائل الهنود الحمر عندما صارت قريتهم محل اهتمام وطمع الجميع مع ظهور بوادر النفط وتحولت الثروة المرتقبة إلى لعنة وجحيم يضرب الجميع، واختار المخرج أقرب نجمين إلى قلبه الأول قطعًا روبرت دى نيرو والثانى ليوناردو دى كابريو وشارك فى كتابته إريك روث.

الفيلم به كل المقومات الجماهيرية والفنية وعندما تجمع نجمين مثل دى كابريو ودى نيرو معًا فأنت تضمن أعلى إيرادات فى الشباك، وعندما يضيف سكورسيزى رؤية عميقة سياسيًّا تلقى ظلالها على الحاضر فتتضاعف عوامل الجذب.

يكشف الكتاب ومن ثم الفيلم تواطؤ مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى قبل أكثر من قرن من الزمان فى التعتيم على تلك القضية وإبعاد المجرمين من البيض عن حبل المشنقة، ولهذا تردد وقتها أن إدانة إنسان بقتل كلب ممكنة ولكن غير الممكن إدانته بقتل أحد السكان الأصليين.

تستطيع أن ترى قدرة المخرج فى فن قيادة الممثل، خاصة كبار النجوم المحترفين مثل دى كابريو ودى نيرو، هناك ومضة أداء خاصة تلمحها مع النجمين الكبيرين تستطيع بدون أن تحضر الكواليس أن تحيلها إلى حقيقة يفرضها المنطق ويعمقها توجيه المخرج لنجومه.

دى كابريو الشرطى وخاله الثرى دى نيرو، المتواطئ على قتل أهل الأوساج والتخلص من زعمائهم، ولهذا يدفع ابن شقيقته ليتزوج ابنة أحد أهم الأثرياء، وتتعدد من خلاله الجرائم للتخلص تباعًا من العائلة، زوجته مصابة بمرض السكرى ويمنحها الحقن للشفاء، وفى لحظة يكتشف كيف زج به أقرب الناس إليه- خاله- ليصبح شاهدًا على تلك الجرائم، استغل الخال ثقتهم فيه وحبهم لهم لكى يستحوذ على ثرواتهم. المخرج قدم كل مفردات الثقافة والفلكلور فى تلك البيئة وبكل أنماطها الموسيقية والغنائية وأيضًا الاجتماعية فى الأفراح وحتى الموت، هذا الجانب التوثيقى يمنح الفيلم قدرًا كبيرًا من المصداقية.

الفيلم ظاهريًّا، وكما يقول عنه مخرجه المخضرم يقع فى إطار ما نطلق عليه (الويسترن) الغرب الأمريكى، ولكن أراه أبعد بكثير من هذا الوصف، فى أفلام (الويسترن) تصبح الحبكة الدرامية هى البطل بينما فى (قتلة زهرة القمر) نحلل ما بعد الحبكة وتعمد السيناريو أن يجعل تلك المساحة من المطاردات مقننة ومكثفة كما أنه قبل نحو 100 عام وتحديدًا 1920 كانت السيارات قد بدأت تحتل المساحة الكبرى فى التنقل فى تلك المجتمعات، وليس الأحصنة كما تعودنا مع أفلام الغرب الأمريكى.

الفيلم الملحمى الذى يتجاوز زمنه ثلاث ساعات بمثابة وثيقة على الظلم العابر لحدود المكان والزمان، أمسك المخرج بلحظة فارقة، ليعيد قراءة جزء مسكوت عنه فى التاريخ الأمريكى المعاصر. الفيلم خارج الصندوق المتعارف عليه فنيًّا وأيضًا خارج التسابق فى (كان)، ولكنى أجزم أنه استطاع أن يصل إلى عمق الصندوق وأن يسرق الكاميرا من الجميع، ليس فقط بنجميه دى نيرو ودى كابريو ولكن قبل كل ذلك بمخرجه العجوز الشاب مارتن سكورسيزى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«قتلة زهرة القمر» الماضى عندما يعيده الحاضر مجددًا للحياة «قتلة زهرة القمر» الماضى عندما يعيده الحاضر مجددًا للحياة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon