توقيت القاهرة المحلي 00:40:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وجهك في المرآة.. أم وجهك في عيون الناس؟!

  مصر اليوم -

وجهك في المرآة أم وجهك في عيون الناس

بقلم - طارق الشناوي

الفيلم الأمريكى (رجل مختلف) يملك فيضًا من الشحنات العاطفية يدفعك لا شعوريًا للتوحد مع الشاشة، فى ظل حياة صارت تدفع النساء والرجال- كل بوسائله- للبحث عن ملامح نموذجية تعارف عليها المجتمع باعتبارها هى (ترمومتر) الجمال، ومع مرور الزمن تتغير تلك المرجعية، وربما تنقلب المقاييس، وما كان يعد نموذجًا للجمال يصبح مؤشرًا يدل على أقصى وأقسى درجات القبح، يكفى أن نطل مثلًا على جميلات القرن العشرين لندرك أن القرن الواحد والعشرين طرح لنا مقومات أخرى.


البطل فى العقد الخامس من عمره سيباستيان ستان أصيب بما يعرف علميا بتليف فى العصب الليفى، وأدى إلى تشوهات حادة فى الوجه تعبر عن نفسها عند النظرة الأولى، وقطعًا رد الفعل يختلف بين البشر، كما أن البيئة والثقافة التى ننشأ فيها تؤثر على تقبلنا لهذا الاختلاف فى الشكل، ولا يستمر الأمر طويلًا، سرعان ما نألف ذلك، إن اختلفت قطعًا قدرة كل منا على التسامح والتقبل للآخر بما هو عليه، وليس بما نريده أن يصبح عليه.

البطل هنا، وتلك هى المفارقة، ممثل، أى أن ملامحه تعتبر واحدة من أهم القوة الضاربة التى يمتلكها، وتلعب دورًا رئيسيًا فى إتاحة فرص العمل فى المسلسلات والأفلام والإعلانات.

المخرج أرون شيمبرج أكد، فى المؤتمر الصحفى، أنه كان يقف فى نفس الدائرة التى عليها البطل، أى أنه يروى جزءا من حياته، وولد بقدر من التشوهات فى الوجه واستعاد معاناة البطل، لأنها أيضا معاناته فى مرحلة الطفولة، قبل أن يجرى واقعيًا جراحة تجميل، لمعالجة التشوه.

كثير من الأفلام العالمية توقفت عند تلك النقطة، أشهرها (الرجل الفيل)، ولدينا محليا فيلم (يوم الدين) لأبوبكر شوقى، والذى مثل السينما المصرية رسميا فى مهرجان (كان)، قبل نحو خمس سنوات، ستجد فيه ملامح من هذا الفيلم، عندما أسند أبوبكر البطولة لمريض بالجزام، وحصل بطل الفيلم على أكثر من جائزة فى مهرجانات أخرى.

من خلال المؤتمر الصحفى فى برلين، الذى عقد لفيلم (رجل مختلف)، اكتشفت أن الاستعانة بمريض يعانى تشوهًا ما للوقوف أمام الكاميرا يعتبر خطأ يجرمه القانون، لأنه ينطوى على استغلال للمعاناة، والأمر يحتاج إلى التقدم بطلب لتحقيق ذلك، وفق شروط محددة مسبقا، وكانت الشروط هى أن يشارك بطل الفيلم سيباستيان ستان، ممثل آخر مريض يعانى بالفعل من تلك التشوهات، وهو أدم بيرسون، وأعتقد أن المخرج كتب السيناريو وفقا لتك المعطيات التى فرضها القانون الأمريكى، ممثل محترف يؤدى الشخصية قبل وبعد إجراء الجراحة، وممثل يعانى بالفعل من هذا التشويه ويتعايش معه، الممثل الأول كان من المفترض أن يؤدى هذه الشخصية بالفعل فى عمل فنى، ولكن بعد إجرائه الجراحة التجميلية أصبح لا يصلح لأداء الدور، ولهذا أسند دوره لمريض لا أقول يعانى بقدر ما هو يعايش الحالة التى أصيب بها، وصارت لا تشكل فقط ملامحه، بل مصيره، فهى مصدر حياته ورزقه، بل وجوده وكيانه، وهكذا نجد الممثل المحترف بعد إجرائه الجراحة لديه إحساس بالغيرة من صاحب الوجه المشوه، بل يحتفظ فى بيته بقناع يرتديه بين الحين والآخر.

تتعدد وتتباين ردود الفعل، جارة بطل الفيلم سيباستيان، التى كانت تربطها به علاقة دافئة قبل إجرائه عملية التجميل، لم تتغير مشاعرها نحوه، فهو لا يزال يحظى بنفس المكانة قبلها وبعدها، ولكن قطعًا بعد العملية- عملية التجميل- صار (جان) بمقياس السينما، وله معجبات، ولكن إلى أى مدى سيتعايش مع ملامحه الجديدة؟، وهل المعاناة تتوقف أم تختلف؟، ويصبح الأمر فى النهاية مرتبطًا بقدراتنا على القناعة بما نملكه، فهو رأسمالنا، كما أن للآخرين أيضا رأسمالهم.

ربما يبدو السيناريو للوهلة الأولى خاضعًا لتلك الحالة الهندسية (السيميترية)، أقصد التماثل، عندما يتوافق عنصران وفى نفس الوقت يتضدان فى الاتجاه، بل أراد الكاتب والمخرج أيضًا أن يحيل الأمر إلى رؤية مباشرة تتجاوز الخيال إلى الواقع، عندما نرى أمامنا بالفعل بطلًا حقيقيًا على الشاشة يعانى فى حياته من نفس المرض، وغالبًا فإن تلك التشوهات جزء منها من الناحية الطبية يتم علاجه بالتدخل الجراحى مثل بطل الفيلم، وجزء آخر يصبح الحل الوحيد هو التعايش الذى نراه فى حالة الممثل الذى يعانى حقيقة تلك التشوهات ويعيش الحياة بكل أطيافها، بل يتعرض إلى غيرة من بطل الفيلم الذى أصبح وسيما فى الملامح، بينما انتقل التشوه من وجهه إلى روحه.

الاستوديو يعتبر فى هذا الفيلم هو أكثر الأماكن المحورية، حيث يتقمص كل فنان دوره، الشخصية المحورية الذى كان ينظر إليه باعتباره (كاركتر) يلعب أدورًا ثانوية، أو يشارك فى إعلانات متواضعة تنقلب حياته ويصبح بطلًا بعد الجراحة، إلا أنه يجد أن أدواره السابقة صارت لممثل آخر يعيش الحالة واقعيًا، ويختلط عليه الأمر، بعد ذلك هل ما يراه فى المرآة هو وجهه الحقيقى، أم أنه عندما يضع قناع التشويه يتعايش مع هذا الوجه ويصدقه، فهو ليس فقط وجهًا بقدر ما هو روح تعبر عن حقيقة.

استطاع هذا الفيلم اختراق الحاجز الوهمى بين الشاشة والجمهور، فهو يقدم صراعًا على الشاشة أنت جزء منه، مرة بملامح وجهك وسيمًا أم مشوهًا، وأخرى بما تنضح به روحك القانعة أم المشوهة، وعليك أن تختار إلى أين تقف، هل تختار القناعة أم القناع؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وجهك في المرآة أم وجهك في عيون الناس وجهك في المرآة أم وجهك في عيون الناس



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon