بقلم:طارق الشناوي
شاهدت على (اليوتيوب) لقاء في الكنيسة للبابا شنودة، ولأن البابا خفيف الظل ويشجع مريديه على الجرأة؛ فلقد كانت تنهال عليه أسئلة خارج النص، قال له أحدهم: ما المواقف المحرجة التي تعرضت لها؟ قال البابا: كثير جدًّا مثل تلك السيدة الأجنبية التي كانت متعلقة بقط رحل عن الدنيا، وظلت تبكى فراقه وكان أملها أن تلتقيه في الجنة، سألت أحد القساوسة في بلدها هل ترى القط مجددًا، فقال لها القط لا يدخل الجنة، فأخذت تبكى للبابا شنودة لعله يعطيها أملًا.
البابا يعلم أن القسيس- طبقًا للعقيدة المسيحية- لم يخطئ، إلا أنه في نفس الوقت عز عليه أن يزداد حزنها على القط، سألها: هل سبق لك رؤية القط في أحلامك؟ أجابته نعم ومرات عديدة، وعلى الفور ابتسم لها قائلًا: (هذه هي الرؤية بعد الموت).
كيف يقول رجل الدين ما يتوافق مع منطوق الكتاب المقدس الذي يؤمن به، وفى نفس الوقت لا يجرح أو يؤلم من يسأله، هذه هي الرسالة التي توقفت عندها في إجابة البابا شنودة، وهى تكمن في البحث في تلك المنطقة السحرية، عما يسعد الناس ولا يتعارض مع النص.
في المؤسسة الرسمية بالأزهر الشريف قرأنا في الأيام الأخيرة فتاوى متعددة عن الحجاب، وشرعيته ووصم من لا ترتديه بصفة قاسية جدًّا على النفس وهى عاصية، وذلك في أعقاب حادث ذبح الطالبة نيرة الذي أبكى، ولا يزال، الملايين. إننا اكتشفنا في أعقاب الحادث المروع أن هناك من نحَّى جانبًا الدموية وبدأ يتناول شرعية دخولها الجنة بينما هي لا ترتدى الحجاب، والبعض أضاف لصورتها بلا حجاب (حجاب)، وكأنه يصلح خطيئة ارتكبتها في الدنيا، وهكذا نعالج الكثير من قضايانا، المصيرية بسطحية مشوبة بقدر لا ينكر من التزمت الشكلى، هذا هو ما حدث في العقود الأخيرة للمجتمع المصرى.
أتذكر بعد رحيل شادية، كانت بعض الجرائد تتردد في نشر صورتها بلا حجاب، بينما في سرادق العزاء كان أهلها حريصين على أن يكتبوا على يافطة العزاء (الفنانة شادية) بدلًا من (الحاجة شادية)، كما أراد البعض من المتشددين، استندت أسرتها إلى أن شادية لم تتنكر لفنها، صحيح أنها في منتصف التسعينيات تراجعت في اللحظات الأخيرة عن تسلم درع تكريمها من رئيس مهرجان (القاهرة) سعد الدين وهبة، بعد أن أبدت موافقة مبدئية، ولكنها رشحت بعد ذلك مديحة يسرى لتسلم التكريم، وتردد وقتها أن كلًّا من الشيخ متولى الشعراوى ود. مصطفى محمود مارسا ضغوطًا أدبية حتى لا تذهب، إلا أنها في النهاية اعتذرت فقط عن تسلم التكريم ولم تتنازل عن التكريم، ولاتزال المعركة على صورة شادية مستمرة، البعض يحرم نشر صورتها بالحجاب.
على الجانب الآخر، بدأنا نرى عبر (النت) صور العديد من زوجات وبنات كبار شيوخ الأزهر الشريف غير محجبات، بعض تلك الصور تعود للتسعينيات، أي لم يمض عليها أكثر من 30 عامًا، كما نشاهد صور بعض قارئى القرآن مثل أبوالعينين شعيشع وهو يعزف على العود.
الشارع المصرى تغير؛ صار الحجاب يشكل نحو 70 في المائة من المشهد العام، ولكن لا يعنى ذلك أن توصم غير المحجبة بـ(العاصية)، وأن يسمح بصوت واحد فقط ونلغى أي صوت آخر لا يرى في عدم ارتداء الحجاب عصيانًا