بقلم: طارق الشناوي
هذا العام بات من الواضح أن الدراما التليفزيونية صار تقييمها نصف شهرى، لم يعد كما تعودنا قبل سنوات قليلة تجبرنا العدالة انتظار بزوغ هلال شوال، مرور عشرة أيام من مسلسل لا يتجاوز 15 حلقة، أظنها تمنحنا مؤشرا بنسبة كبيرة يعبر عن الحقيقة التي تابعناها على الشاشة، وهكذا وجد «مسار إجبارى» لنفسه مكانا في مقدمة تلك المسلسلات، التي تتحرك أمامك حتى بعد «تتر» النهاية، تاركة تساؤلات جديرة بالتأمل والمعايشة.
عدد الحلقات كقيمة مطلقة لا تعنى شيئا، سلبا أو إيجابا، وأن ما كنا نشكو منه بسبب الإطالة والإسهاب الدرامى في مسلسلات الـ30 حلقة، من الممكن أن تتكرر ليس فقط في الـ15 حلقة، لكن حتى لو كنا بصدد سهرة تليفزيونية، قد تلمح فيها أيضا شيئا من الإطالة، «الترمومتر» في نهاية الأمر هو انعكاس لتدفق الإيقاع، وهو ما نجح فيه «مسار إجبارى»، حافظت المخرجة نادين خان على أن تمسك بيديها كل التفاصيل، يشير عنوان المسلسل إلى أن هناك حتمية في اللقاء بين الأبطال نكتشفها مع تتابع الحلقات، المسار الإجبارى يصبح مصيرا إجباريا.
البطلان يقفان على باب نجومية الشباك، والتوزيع فضائيا، وبقوة، أتحدث عن أحمد داش وعصام عمر، والدفع بهما لمقدمة الكادر صار منطقيا، كل منهما حقق قفزة جماهيرية في الفيديو، قطعا داش سبق عصام بخطوات، لكن لا أنسى قبل بضعة أشهر مسلسل «بالطو» لعصام عمر وصار بعدها يلاحق داش، الاثنان اقتربا بقوة من تلك الدائرة التي تلمح فيه بريق النجم يسبقه ويمهد لاحتلال مساحة قادمة.
نادين بذكاء تركت مساحة من التلقائية في الحوار بينهما ليبدو الأمر على الشاشة أكثر طبيعية، كما أنه يحرك كل تفاصيل التوهج والإجادة، مساحة التلقائية قطعا تجدها في العديد من مشاهد المسلسل في العلاقات بين كل الممثلين وليس فقط داش وعصام، هناك دائما ثنائية في الصراع تفرض ذلك.
لم نتعود في الدراما التليفزيونية على المغامرة، خاصة في رمضان، الجمهور يتعلق بنجوم اختبرهم من قبل وصار حريصا عليهم، المخرجة نادين خان ومع أول أفلامها السينمائية كانت تبحث عن نجم جديد يحمل أفكارها، وهكذا راهنت مبكرا على محمد فراج بطلا في «هرج ومرج»، وفى المسلسلات التي قدمتها بعد ذلك للشاشة الصغيرة تلمح أن لديها هدفا هو تقديم حياة وليست دراما معلبة أرشيفية، وبقدر المستطاع تبحث عن جيل جديد قادر على المعايشة مع الفكرة.
القصة الدرامية والمعالجة لباهر دويدار والسيناريو أمين جمال ومحمد محرز ومينا بباوى. مسلسلات نادين السابقة مثل «ليه لأ» و«مين قال» وقبلهما «سابع جار»، الذي تتابع عليه أكثر من مخرجة، إلا أنهن اتفقن على تقديم تلك اللمحة العصرية في الرؤية الإخراجية.
المفاجأة قدمتها مع الحلقة الأولى تلك العلاقة التي نكتشفها مع مرض للأب، وبعد الرحيل يصبح مأزقهما واحدا.
نلاحظ في السيناريو مشاغبات لم يكن مسموحا بها تحمل انتقادات للأجهزة الرقابية، وهو هامش نادرا ما كان يسمح به في الأعمال الدرامية خلال السنوات الأخيرة.
تبدو القصة ظاهريا لا تحمل جديدا، شقيقان في لحظة فارقة يكتشفان تلك الصلة «الجينية» الأب أخفى على زوجته الأولى صابرين زواجه من الثانية بسمة، ولا يكتفى السيناريو بتلك المفاجأة فقط، لكنه يضع دائما معادلة أخرى، وهى أن مصيرهما صار مشتركا، كما أن ميراث الأب لم يكن أموالا، لكن صراعات متشابكة وحان وقت دفع الحساب.
أعجبنى أن كلا من صابرين وبسمة ارتضيتا، كما هو واضح، أن يتصدر «التترات» داش وعصام، وأن المساحة الدرامية لم تشغلهما، ظلت اللمحات بين بسمة وصابرين، كل منهما لعبت مساحة أقل، لكن بإبداع وتفهم.
لو كان السؤال: هل نجح المسلسل في الدفع بنجمين شابين إلى مقدمة «الكادر»؟ فإن الإجابة هي أن نادين خان نجحت في الرهان على داش وعصام.