بقلم:طارق الشناوي
تعودنا فى الصحافة أن نكتب اسم البطلة الجزائرية (جميلة بو حيرد) هكذا (بوحريد)، أخطأ المخرج يوسف شاهين قبل 64 عاما فى كتابة الاسم على (أفيش) الفيلم، وصرنا جميعا دون كل العالم نرددها وراءه (بو حريد)، لأن إيقاعه الموسيقى أحلى. قال سعد باشا زغلول، وهو على فراش الموت: (مفيش فايدة يا صفية) فأصبحت تعنى بالضرورة مفيش فايدة فى النضال ضد الاستعمار، هل كان يقصد بعد أن اشتد عليه المرض مثلا (مفيش فايدة فى تلقى العلاج)؟، هذا هو الاحتمال الثانى، أما الأول هل يقينا قالها، أم أنها مجرد (تحابيش) مثيرة؟.
عند رحيل فاتن حمامة نشرت كل الصحف صورة رجل أصلع عجوز بكرش يبكى بجوار النعش، وقالوا إنه زوجها أستاذ الأشعة دكتور محمد عبد الوهاب، وعند رحيله أعادوا نشر الصورة، بينما دكتور عبد الوهاب فى حقيقة الأمر كان وسيمًا كثيف الشعر.
قرأت أن كاتبين أمريكيين قررا توثيق حياة الفنان العالمى فان جوخ، واكتشفا أن الحكاية الشهيرة التى رددها العالم كله، بأنه قد قطع إحدى أذنيه وقدمها على طبق من أجل إرضاء حبيبته، قصة لا نصيب لها أبدًا من الصحة التاريخية، نميل أكثر إلى تصديق تلك الكذبة الدموية باعتبارها دليلًا صارخًا على جنون الحب.
خذ عندك مثلًا هذه الحكاية التى نشرت مئات المرات، وتفاصيلها أن أنور السادات عندما اقتحم الإذاعة المصرية، الساعة السابعة والنصف من صباح 23 يوليو عام 1952، وأذاع أول بيان لثورة يوليو، التقى على سلم الإذاعة بالمطرب محمد رشدى سأله (ح تغنى إيه النهاردة يا رشدى؟) أجابه (المكتوب ع الجبين)، انزعج السادات اعتبرها فألًا سيئًا، وطلب منه غناء (قولوا لمأذون البلد)، لو عدت إلى الأرشيف ستجد أن السادات لم يذكرها أبدا فى مذكراته، ولو أمعنت التفكير، أو حتى بدون إمعان، ستكتشف استحالة حدوث ذلك، فما هى الفرقة الموسيقية التى يستيقظ كل أفرادها فى الفجر لتسجيل أغنية؟، ثم الأهم أن شاهد الإثبات، الإذاعى الكبير فهمى عمر، أطال الله عمره، كان هو مذيع الهواء، الذى استقبل السادات فى الاستوديو، أكد لى أن هذا محض خيال، ووثائق هذا اليوم فى جدول البث الإذاعى تم الاحتفاظ بها، ولن تجد فيها (قولوا لمأذون البلد) ولا (المكتوب على الجبين)!!.
حكاية فيلم «شىء من الخوف» 1969 كلنا رددنا أن كاتب الرواية ثروت أباظة كان ينتقد شرعية عبد الناصر، فى نداء (جواز عتريس من فؤادة باطل)، (عتريس) هو عبد الناصر، و(فؤادة) المعادل الموضوعى لمصر، شاهد عبد الناصر الفيلم وصرح به، وقال لثروت عكاشة، وزير الثقافة: (لسنا عصابة تحكم مصر يا ثروت)، نعم عبد الناصر هو الذى صرح بالفيلم، لأنه لم يشك للحظة واحدة أنه (عتريس)، نحن الذين أسقطنا كل ملامح الطغاة على (عتريس)، لو ساور عبد الناصر الشك فى دوافع من شاركوا فى (شىء من الخوف) لأحال حياتهم جميعا إلى (خوف فى خوف)!!. من الأقاويل الشائعة، زواج سرى بين أم كلثوم ومصطفى أمين، وأنها وجهت فى قصيدة (الأطلال) إلى عبد الناصر عام 66- برغم أنها كانت متزوجة من الدكتور حسن الحفناوى- وجهت نداء تطالبه بالإفراج عن مصطفى أمين، مرددة بكلمات الشاعر إبراهيم ناجى (أعطنى حريتى أطلق يديا / إننى أعطيت ما استبقيت شيئا)، والحقيقة أنه فور إلقاء القبض على مصطفى أمين عام 64 بتهمة التجسس، اقتحمت المخابرات مكتبه فى جريدة (أخبار اليوم)، عثروا بين الأوراق على وثيقة زواج عرفى بالمطربة شادية، وتسرب نصف الخبر، زواجه من مطربة شهيرة، اعتقد الناس وعدد من المؤرخين أنها أم كلثوم، وصارت كلمات (الأطلال) المغرقة فى الرومانسية منشورًا ثوريًا ضد عبد الناصر، ألستم معى أن الأكاذيب طعمها أحلى من الحقيقة؟