توقيت القاهرة المحلي 00:09:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

علبة سجائر محمود المليجى!!

  مصر اليوم -

علبة سجائر محمود المليجى

بقلم: طارق الشناوي

استمعتُ مرة إلى الأديب الكبير الراحل د. يوسف إدريس كان يحكى أنه فى شبابه تعلم كيف يضع علبة السجائر فى الشراب، بعد أن شاهد محمود المليجى يفعل ذلك فى أحد الأفلام، فأصبحت علبة سجائره منذ ذلك الحين تعرف أن بيتها الوحيد هو (الشراب).

فى أحد مشاهد فيلم (اللمبى)، محمد سعد وهو فى طريقه للمدرسة قالت له أمه عبلة كامل: (متأكد إن ساندوتشك فى شنطتك، ومطوتك فى جيبك).

قطعًا علينا ألا نحاكم الدراما بصرامة، وبمعيار أخلاقى مباشر، وفى نفس الوقت لا نغفل تأثيرها. تُشن بين الحين والآخر هجمات على الفضائيات، باعتبارها هى المصدر الرئيسى لحالة الانفلات اللفظى والحركى، ونغفل أن ما يجرى فى الشارع كثيرًا ما يتجاوز ما نراه على الشاشة، هل نُحمِّل «الميديا» تبعات المسؤولية كاملة، تنقل الشاشة السلوك للشارع، فى نفس اللحظة التى تستقى فيه مفرداتها من الشارع؟

قبل نحو ما يزيد على ٣٠ عامًا أخرج أوليفر ستون فيلمه «ولدوا ليقتلوا» ينتقد فيه وسائل الإعلام، وكيف أنها صدَّرت العنف للمجتمع فبات أكثر دموية، استند إلى دراسة أكدت زيادة ملحوظة فى الجينات المحفزة للعنف فى السنوات الأخيرة- مقصود بها وقت إنتاج الفيلم فى التسعينيات- ولا أتصور أن الأمر يختلف الآن.

العلاقة كانت ولاتزال تبادلية بين الشارع والشاشة، تنقل «الميديا» ما يجرى فى الشارع ثم تصدره للناس، وبعد إعادة تدوير البضاعة، بعض الجرائم تم تنفيذها مباشرة محاكاة لفيلم أو مسلسل، كما أن بعض أساليب تعاطى المخدرات كانت الشاشة هى الوسيلة المضمونة لذيوعها، ورغم ذلك علينا أن نقول إن الكاتب يأخذ الواقعة من الشارع، وبعد إضافة تفاصيل تتوافق مع قانون الدراما، يعيدها مجددًا للشارع، وهكذا تذوب الحدود بين المنبع والمصب.

الشارع كان ولايزال يسمح بهامش من التجاوز اللفظى، زاد المعدل عن حدود المسموح.. تلك حقيقة رأيناها أيضًا على الشاشة.

فى كل لغات العالم تتوالد كلمات وتتغير الأطر الدلالية لبعض الكلمات، لديكم مثلًا تعبير (فشخ)، فى جيلنا تعتبر كلمة «أبيحة» أما فى اللغة الروشة فهى تعنى المبالغة فى التقدير، يجب علينا أن نذكر أن الكلمة قبل أن يتم تداولها لا تأخذ ضوءًا أخضر ولا تصريحًا رسميًا من (مجمع اللغة العربية)، ولكنها تنتزع حضورها عنوة فى الحياة، وكل زمن يطرح أسلوبه ومفرداته، ولو تابعت لغة التخاطب عبر «النت» ستكتشف أن ما تسمعه فى المسلسلات والأفلام والبرامج كلمات مهذبة جدًا، بالقياس لما هو مستخدم بكثافة الآن فى العالم الافتراضى.

كلمات مثل حضرتك وأفندم وبعد إذنك ولو سمحت وعفوًا وغيرها، يبدو أن عمرها الافتراضى قد انتهى من قاموس التعامل اليومى، ومن لايزال حريصًا عليها صار فى عُرف هذا الزمن «أنتيكة»!!

لو قلبت فى صفحات الدراما ستكتشف أن أشهر عبارة أحدثت ضجة فى العالم العربى ووُصفت وقتها بالانفلات، هى تلك التى أطلقتها فاتن حمامة فى فيلم «الخيط الرفيع» فى منتصف السبعينيات «ابن الكلب»، التى نعتت بها محمود يس فى حوار ساخن، كان من المستحيل العثور على مرادف لفظى آخر، إلا أن الذى حدث بعدها أن البعض طالب بالمعاملة بالمثل، ورأينا سيلًا عارمًا من مشتقاتها تتسلل للأفلام.

لا ينجح عمل فنى ولا برنامج لأن به بذاءات، الناس بطبعها تكره الإفراط، والحكمة تقول: (الفضيلة تقع بين رذيلتين: الإفراط والتفريط)، وهكذا بقدر ما أرفض تلك الأعمال التى تبدو مهذبة لدرجة التعقيم، فأنا أرفض أيضًا الإسراف الذى يصل إلى حد الإسفاف، النوعان مرفوضان، سواء تلك التى تغلف نفسها بغطاء من أوراق «السوليفان»، أو الأخرى التى تبدو وكأنها قد تخلصت تمامًا حتى من ورقة التوت.

لا نستطيع أن نعزل الشاشة عما نراه فى الشارع، ولا أن ننكر أن الدراما أيضًا أثرت فى لغة الشارع. إنهما وجهان لعملة واحدة، ولا أتصور أن ميثاق الشرف الإعلامى من الممكن أن يملك آليات للمواجهة، بعد أن أنجب الانفلات مزيدًا من الانفلات، لنترحم جميعًا على زمن علبة سجائر محمود المليجى!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علبة سجائر محمود المليجى علبة سجائر محمود المليجى



GMT 10:25 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

ألطاف ترومان

GMT 10:23 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

عن تسوية الملعب الدولي: قمة المستقبل

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الحقّ الفلسطيني وحياة القادة وموتهم!

GMT 10:19 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

نكسة لبنان الرقمية

GMT 10:17 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

وسواس العظمة يفسد الناس

GMT 10:15 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

عودة «النووي» الإيراني إلى الواجهة

GMT 10:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الحل الإقليمي للقضية الفلسطينية

GMT 10:11 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

صواريخ زيلينسكي وحافة الفوضى العالمية

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:38 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي
  مصر اليوم - إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري
  مصر اليوم - الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 23:07 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين

GMT 08:30 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

تصميمات "الفيونكة" تزيّن مجوهرات العروس في 2019

GMT 17:44 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

بلاغ ضد هالة صدقي بسبب فيديو "حثالة المجتمع"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon