بقلم:طارق الشناوي
قرأتُ على صفحات (المصرى اليوم) ما نشره الكاتب الكبير أسطى الصحافة عادل حمودة، ورجل الآثار العالمى الدكتور زاهى حواس عن النجم الاستثنائى عمر الشريف، بعدها نشطت ذاكرتى لأستعيد عددًا من اللقاءات التى جمعتنى به، وسوف أكتفى بأربعة مشاهد: الأول فى القاهرة، والثانى الدوحة، والثالث فينسيا، ثم الأخير الصامت بمعهد المسرح.
فى عام 1997، تردد بعد رحيل الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، رئيس (مهرجان القاهرة السينمائى)، أن المرشح هو عمر الشريف، اسمه يكفى لكى يحقق البريق والعالمية للمهرجان، كما أن وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى متحمس لإسناد تلك المهمة إليه، وأبدى بالفعل الشريف موافقة مبدئية.
فى أحد فنادق القاهرة التقيت عمر وسألته، قال لى إنه سيوافق لو تحقق هذا الشرط، نقل المهرجان من مدينة (القاهرة) التى تعانى الزحام إلى مدينة (طابا) الهادئة، وهى آخر قطعة أرض استردتها مصر من إسرائيل، قلت لعمر الشريف: اسمه مهرجان القاهرة وعمره - وقتها - تجاوز عشرين عاما، فكيف نبدأ من الصفر فى (طابا) ونضحى بعقدين من الزمان؟ أجابنى: اختيار القاهرة من البداية خطأ، مهرجان (كان) لا يعقد فى العاصمة (باريس) ولكن فى مدينة بالجنوب الفرنسى وحققت شهرة من خلال المهرجان.
نشرت الحوار على صفحات (روزاليوسف)، واشتعلت نيران الغضب تنهال على عمر، لحساسية اختيار (طابا) وهى على الحدود المصرية الإسرائيلية، وتراجع فاروق حسنى عن قراره وأسند المهرجان إلى حسين فهمى، وفى نفس القرار أقنع عمر الشريف بالرئاسة الشرفية.
وأتذكر أن اللقاءات تعددت بينى وبينه، ولكنى سأنتقل إلى عام 2009 فى (الدوحة) أثناء عقد المهرجان السينمائى هناك، عندما فقد عمر أعصابه وانفعل على إحدى المذيعات فى قناة (الحرة)، عندما طلبت منه أن تلتقط صورة، فاستسمحها أن تنتظره لأن هناك عددا آخر من المعجبين والمعجبات.. كررت الطلب، فصفعها، والغريب أن المذيعة ظلت منتظرة، ثم استدعاها مجددا والتقطت معه صورة وهى مبتسمة.
ليلتها التقيت المذيعة الصديقة، أكدت لى أنها سوف تقيم دعوى قضائية ضد عمر، قلت لها: سوف تخسرينها، ومن أول جلسة، لأن اللقطة الأخيرة لكما وأنت تبتسمين تعنى الموافقة على التقاط الصورة مقابل الصفعة.
ثم التقيت فى مثل هذه الأيام مع عمر فى مهرجان (فينسيا)، كانت مصر تشارك فى المسابقة الرسمية بفيلم (المسافر) بطولة عمر وسيرين عبدالنور وخالد النبوى وغيرهم، أقيم مؤتمر صحفى للفيلم فى الصباح، وعلى المنصة أخذ عمر الشريف يثنى على الفيلم، وفى المساء عُرض الفيلم رسميا، بدأنا نستمع إلى همهمات عالية الصوت مصدرها عمر الشريف ضد الفيلم، ولم يدرك الناس أن عمر عندما تواجد صباحا فى المؤتمر الصحفى لم يكن قد شاهد الفيلم بعد، أثناء المشاهدة كان له رأى قاس جدا لا يجوز حتى إعادة نشر كلماته.
فى سنواته الأخيرة، لم يكن يستطيع إخفاء مشاعره أو تغليفها فى إطار ناعم، مع الزمن بدأ يعانى من ألزهايمر، ونسى كل شىء، حتى مشواره كنجم، وكثيرا ما كان يتشاجر مع الناس فى الشارع لأنهم يصافحونه، بينما هو لا يجد مبررا لتلك الحفاوة.
حتى جاء المشهد الأخير الصامت فى معهد المسرح، كان د. أشرف زكى يتولى بالإنابة منصب عميد معهد المسرح، وشاركت فى لجنة تحكيم لاختيار أفضل أعمال الطلبة. ووجه «أشرف» الدعوة لعمر عن طريق «زاهى حواس» للمشاركة فى توزيع الجوائز، وصعد على المسرح الذى يحمل اسم (زكى طليمات)، كان مبتسما، إلا أنه لم يقل أى كلمة، فقط يصافح الفائزين.. وكانت تلك هى الجائزة، وأيضا آخر لقطات عمر الشريف فى الحياة!!.