بقلم: طارق الشناوي
عدد محدود جدًا من نجوم جيل هذا الزمن لايزالون بعيدين عن (السوشيال ميديا)، الأغلبية تحاول أن تحيلها إلى أداة إيجابية لزيادة كثافة الرواج لأنفسهم ولأعمالهم، الفضيلة كما نذكر فى أدبياتنا (تقع بين رذيلتين: الإفراط والتفريط)، وهكذا الوسائط الاجتماعية، يجب أن يضبط من يتعامل معها الترمومتر، وإلا حرقته نيرانها!!.
كانت النصيحة التى تُقدم لنجوم الزمن الذى دأبنا على وصفه بـ(الجميل)، رغم أن تلك الصفة المنتشرة والأكثر رواجًا تبتعد عن الحقيقة، فلا يوجد زمن جميل وآخر قبيح، الأزمنة كلها واحدة تحمل هذا التناقض الحاد، بين الأبيض والأسود، كانت النصيحة التى تناقلها أغلب رموز الزمن الماضى أن يحيطوا أنفسهم بأوراق سوليفان مع يافطة مكتوب عليها (ممنوع الاقتراب أو اللمس).
أم كلثوم نموذج صارخ لهذا التوصيف، لم تكن ترحب كثيرًا بالإعلام، ومن الممكن أن نذكر أيضًا من الجيل التالى كلًا من المطربتين فيروز ونجاة، أحاديثهما عبر الإعلام شحيحة جدًا، وربما آخر صورة رأيناها لنجاة جاءت قبل نحو ثلاثة أشهر بعد تكريمها فى موسم الرياض بجائزة (جوى أورد) للرواد، ورغم ذلك هناك حتى من انتقدها على هذا الظهور الهامس، الذى أكد لها أنها لاتزال فى قلب القلب، كما أن آخر صورة شاهدناها لفيروز قبل نحو عام فى الكنيسة مع أبنائها تؤدى الصلاة.
نجم نجوم الزمن الماضى (الدونجوان) رشدى أباظة، كان يحرص على أن يتناول إفطاره (فول وطعمية) على الأرض مع (الكومبارس)، جزء كبير من معاركه مع المنتجين تكتشف أنها من أجل حقوق هؤلاء البسطاء، أوصى فى فترة ما من عمره أن يوارى جسده التراب فى (نزلة السمان)، حيث كان يقيم هناك عدد كبير من هؤلاء الذين يلعبون أدوارًا صامتة فى الأفلام، كان يقول إنهم فقط سوف يحرصون على زيارة قبره، بينما الآخرون، من النجوم، ربما سيتجاهلون حتى أن يترحموا عليه، واقعيًا دُفن رشدى أباظة فى مقبرة خاصة به، ولكن ظلال الحكاية تشير إلى أى مدى كان حريصًا على أن يرتبط وجدانيًا بهؤلاء الذين لا يسألون عن ثمن للحب.
ما كان يؤرق أم كلثوم أن يعرف الناس حياتها الشخصية، أقصد الجانب العاطفى، ما دون ذلك لم يكن يفرق معها، وعندما كان يوسف شاهين بصدد تقديم فيلم (ثومة) نهاية الستينيات، وافقت على أن يقدم كل تفاصيل حياتها، ما عدا قلب أم كلثوم كامرأة، رفضت تمامًا الاقتراب، كانت تحرص على التأكيد أنها كانت ولاتزال فى حياتها تلك الفلاحة البسيطة، وعندما سألتها إحدى المذيعات بعد زيارتها لدولة عربية هل أكلت بيديها؟ جاءت إجابتها قاطعة: (أنا فلاحة، ومن عاداتنا أن نأكل بأصابعنا ونحن جالسون على الأرض).
البساطة فى كل التفاصيل هى عنوان الحياة، وهو ما يصدقه الناس، هل شاهدتم مرة أم كلثوم على متن طائرة خاصة، ألم تركب (الست) فى حياتها طائرة خاصة؟ يقينًا حدث ذلك عشرات المرات، وهو ما تكرر مؤكدًا مع عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وفيروز ووديع الصافى وفاتن حمامة وغيرهم، ولكن ما هو الدافع لكى تلتقط لهم هذه الصورة؟
هل صارت أحلام الثراء السريع وبلا مجهود هى الحلم؟ وهناك من التقط الحلم وصدره بوحشية وجنون لشباب هذا الجيل (زد) الذين وُلدوا فى نهاية التسعينيات، وأصبحوا يشكلون الذائقة فى كل تفاصيل الحياة، وليس فقط الفن، وهكذا فإن إرضاءهم صار هو الهدف لأنهم يحملون مفتاح (التريند)