فى ذكرى ثورة ٢٣ يوليو، كثيرًا ما يستعيد عشاق ناصر، وأيضًا أعداؤه، الكثير من الحكايات، وكل منهم يفسرها كما يتمنى أن يراها، من أحبوا ناصر قالوا إنه هو الذى تصدى لقرار أحد الضباط الذى تولى مسؤولية الإذاعة فور قيام الثورة، ومنحوه وقتها لقبًا عسكريًا (رئيس أركان الإذاعة)، ارتبطت هذه الوظيفة بالشاعر والكاتب والصحفى الرائد عبد المنعم السباعى، كتب بعد الثورة عددًا من الأغانى الشهيرة، مثل (أنا والعذاب وهواك) لعبد الوهاب، و(أروح لمين) لأم كلثوم.
أشار الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن إليه صراحة، فى مسلسل (أم كلثوم)، الذى عرض عام ١٩٩٩، بينما السباعى كان حريصًا، فى أعقاب ٥٢، عندما انتشرت تلك الشائعة، على التأكيد على أنه لم يصدر القرار، بل جاء إليه من جهة أعلى داخل تنظيم الضباط الأحرار، وأنه كرجل عسكرى نفذ تعليمات القيادة، وعندما تدخل عبد الناصر، وكان الشخصية التالية للواء محمد نجيب.
وقرر إلغاء القرار، ساخرًا ممن أصدروه، كان عبد المنعم السباعى من أكثر السعداء بهذا القرار، خاصة أنه بعدها كتب لأم كلثوم وعبد الوهاب ونجاة وعبد المطلب وقنديل أشهر الأغنيات، كما أنه شارك فى كتابة أول أفلام سلسلة أفلام إسماعيل ياسين العسكرية، والتى بدأت بـ(إسماعيل ياسين فى الجيش) عام ١٩٥٥.
كان السباعى شخصية ساخرة بقدر ما كان رومانسيًا، وكثيرًا ما أحب من طرف واحد، ومن أشهر من عشقهن وكن ملهمات له مديحة يسرى التى كتب لها (أنا والعذاب وهواك)، والإذاعية سامية صادق، عندما كان يشاهدها فى طرقات الإذاعة كتب لها (جميل واسمر بيتمخطر) غناء محمد قنديل.
السباعى عمل بالصحافة حتى رحيله نهاية السبعينيات، كان حريصًا على تبرئة ساحته من تلك الشائعة بمنع أغانى (الست) وعبد الوهاب، إلا أن الاتهام ظل يلاحقه حتى بعد الرحيل.
دائما ما نجد أنفسنا مقيدين بتصديق الحكاية الأشهر، وأيضا التى نجد فيها شيئا يعبر عن مشاعرنا وتوجهاتنا، الناصريون، يسعدهم أن تتم الإشارة لعبد الناصر، باعتباره صاحب رؤية صائبة وعميقة ونسبوا له تلك الجملة: (لو كنا ح نمنع أم كلثوم وعبد الوهاب، لأنهما محسوبان على العهد الملكى، إذن امنعوا أيضا النيل والأهرامات)، لأنهما تواجدا فى عهد الملك.
على الجانب الآخر تماما، يقولون إن عبد الناصر ومع قيام الثورة طلب منع تداول أغنية رجاء عبده الشهيرة (البوسطجية اشتكوا/ من كتر مراسلى)، التى كتبها أبو السعود الإبيارى ولحنها محمد عبد الوهاب.
( البوسطجى) المهنة التى كان يمارسها السيد (حسين)، والد عبد الناصر، هذا ما ستجده يتردد مصاحبا لكواليس الأغنية، التى قدمت عام ٤٥ ومنعت بعد ثورة ٥٢، وهو ما أكده لى أيضا الكاتب الكبير أحمد أبو السعود الإبيارى، الذى قال لى إن والده أكد له الواقعة، والإذاعة المصرية صادرتها من الخريطة إرضاء لعبد العناصر، أو ربما خوفا منه حتى لا ينكّل بهم ويصادرهم!!.
لا أرتاح لهذا التفسير، المنطق بالنسبة لى أن عبد الناصر عندما علم بالحظر طالب بإعادة الأغنية لجداول الإذاعة، كما أنه لم تكن لديه عقدة متعلقة بوظيفة والده، والدليل أن مؤسسة السينما فى زمن عبد الناصر أنتجت فيلم (البوسطجى)، إخراج حسين كمال، وبطولة شكرى سرحان.
فى كل العهود، نرى (ملكيين أكثر من الملك).. لا تنسى الرقيب الذى توجس خيفة من أغنية (يا مصطفى يا مصطفى/ أنا بحبك يا مصطفى) عام ٥٩، على اعتبار أنها تتغنى بمصطفى باشا النحاس، وتتهكم على ثورة ٥٢، لولا أن الرقيب فى تلك السنوات، أديبنا الكبير نجيب محفوظ، تحمل المسؤولية وأفرج عنها.
السؤال الأهم: هل كان عبد الناصر مسؤولًا عن هذا العدد الضخم من الأغنيات التى تهتف باسمه (جمال أو ناصر أو أبوخالد)؟!.. إجابتى هى: نعم.
السؤال الثانى: هل نكل عبد الناصر بالموسيقار محمد فوزى لأنه لم يتغن باسمه؟، إجابتى هى: لا.
.. ونكمل غدًا.