توقيت القاهرة المحلي 10:50:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محمد عبد الوهاب.. في أنغامه يمتزج العاشق والفيلسوف والعابد!

  مصر اليوم -

محمد عبد الوهاب في أنغامه يمتزج العاشق والفيلسوف والعابد

بقلم: طارق الشناوي

على «السوشيال ميديا» حالة ينبغى دراستها، نستطيع وضعها تحت عنوان «تحطيم الكبار»، عدد من محترفى التعامل مع هذا الفضاء الإلكترونى، يلجأون إلى توجيه ضربات مباغتة ومفرطة فى قوتها لكل من أصبح له مكانة خاصة، فى الضمير الجمعى، يبدأون على الفور بالتشنيع وإلقاء الأحجار للنيل منه.

الجمعة القادمة يقدم موسم الرياض، من خلال هيئة الترفيه، ليلة وهابية بكل أبعادها، يغنى العديد من المطربين عشرات من ألحان محمد عبد الوهاب، نستعيد من خلالها هذه الدرر، رحلة عبد الوهاب مع الأنغام بدأت مطلع العشرينيات، واستمرت ٧٠ عامًا، عانق فيها الضوء معتليًا القمة، امتص فيها الزمن بكل ما يحمله وقدمه لنا مقطرًا فى جملة موسيقية.

إلا أن هناك من يعتقد أن تكريم موسيقار كبير مثل بليغ حمدى يتحقق فقط عندما نسحب من عبد الوهاب لقب موسيقار الأجيال، ونتوج به رأس بليغ، ولهذا يكتبون مثلًا بليغ «موسيقار الأجيال الحقيقى»، وهذا يعنى ضمنًا أن عبد «زائف»، رغم أن اللقب الذى أطلقه الشاعر كامل الشناوى وكرره عبد الحليم فى إحدى حفلاته «بليغ حمدى أمل مصر فى الموسيقى» أرى هذا اللقب كان- ولا يزال- لائقًا ببليغ ويضعه فى مكانة خاصة.

كثيرًا ما طعنوا فى شرعية ألحانه، وأنا واحد من الذين تناولوا تلك القضية فى منتصف الثمانينيات، على صفحات مجلة «الوادى» مصرية- سودانية، كانت تصدرها مؤسسة «روز اليوسف» بمقال عنوانه «أنا والعذاب وعبد الوهاب»، وذكرت الألحان، وعددها ٤٠، المتهم فيها بالسرقة العالمية، وبعضها تحمل شذرات من موسيقى الآخرين.

شاهدت قبل ١٥ عامًا برنامجًا قديمًا لعبد الوهاب مع القديرة ليلى رستم، تناول فيها تلك القضية، واعترف بأنه فى مرحلة مبكرة من حياته فعلها، وأن القانون لا يقر السرقة إلا إذا تم استخدام أربعة موازير موسيقية كاملة ومتتالية، ورغم ذلك قال عبد الوهاب إنه من الممكن أن تستعير جملة واحدة لها شخصية مميزة، وتعد من وجهة نظره سرقة، ومع الزمن توقف عبد الوهاب عن استعارة أى جملة موسيقية من أحد، ولم يدافع أبدا عن السرقة الموسيقية، بل أكثر من مرة أعلن ندمه.

هناك بعض وقائع ترددت متعلقة باستعانة عبد الوهاب بعدد من الذين عاصروه، أيقنت بعد استماعى للعديد من هذه الألحان أنها تحمل البصمة الوراثية «الجينية» لعبد الوهاب، فهو لا يقدمها كما هى، ولكن يمنحها مذاقًا «وهابيًا» خالصًا.

ما أشد حاجتنا فى هذا الزمن، ليس فقط لاسترجاع موسيقاه، ولكن أيضًا استعادة منطقه فى التعامل مع الحياة، تشابك عبد الوهاب مع التيار الدينى، وواجه اتهام ازدراء الأديان فى آخر أغنية قدمها بصوته نهاية «من غير ليه»، فلم يتراجع عبد الوهاب، بل دافع عن نفسه وتم حفظ الدعوى.

فى واحد من تسجيلات د. مصطفى محمود، التى تملأ السوشيال ميديا، قال إنه فى وقفة مع النفس تساءل: كيف أقابل ربنا؟، هل تشفع لى الكتب التى أصدرتها على مدار حياتى، أم أن على الإنسان أن يفعل شيئًا آخر؟، وتوجه بالسؤال إلى صديقه الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، قائلًا: «يا عُبد» كما كان يناديه: «ح تقابل ربنا بإيه؟»، وأضاف ساخرًا بـ«بلاش تبوسنى فى عينيا»، ولا «الدنيا سيجارة وكاس»، ولا ولا؟. كما يبدو من السياق أن د. مصطفى يرى أن الفن ذنب يستحق أن يسارع الإنسان بإعلان تبرؤه منه، قبل أن يمضى به قطار العمر، ويقابل «وجه كريم»، وعليه أن يقدم أشياء أخرى موازية من أفعال الخير، لتصبح بمثابة الحسنات اللاتى يذهبن السيئات، وينهى حياته بعد أن استقام وتاب وأناب. د.مصطفى كان يرى أن هناك فارقا بين الأقوال والأفعال، والكتب التى أصدرها مجرد أقوال، بينما الصلاة والصوم هى فقط الأفعال.

عبد الوهاب قال الفن شىء عظيم ويغير حياة الناس للأفضل، وهذه هى الأفعال كما يراها موسيقار الأجيال، الذى قدم الكثير، وأبدع فى كل الأنماط العاطفى والدينى والوصفى والوطنى، وجاء رد د.مصطفى الأغنية التى تنجح، تحصل منها على الكثير فى الدنيا أدبيا وماديا، فهل تتقاضى عن الأغنية الأجر مرتين، دُنيا وآخرة، دكتور مصطفى محمود لم يكن يمنح الإبداع الفنى أى تقدير خاص، حتى لو أسعد الناس لحظة سوف يخبو مع الزمن، رغم أن الإبداع الصادق يظل حتى بعد رحيل صاحبه يمنح الأجيال القادمة سعادة.

عبد الوهاب لم يقتنع بكلمات مصطفى محمود، فهو منذ طفولته المبكرة كان من دراويش مقام «سيدى الشعرانى» وحفظ الكثير من آيات القرآن، إلا أنه كثيرا ما هرب بعيدا، وشارك بالغناء مع إحدى الفرق المجهولة لإحياء الأفراح، وكم تلقى من ضربات بـ«الفلكة»، وهى إحدى أدوات التعذيب فى الماضى، حيث كان شقيقه الكبير الشيخ حسن ينهال عليه ضربا بالعصا على قدميه، لعدم انتظامه فى الحضور إلى الكُتاب لحفظ القرآن، بعد أن اكتشف هروبه الدائم لإحياء الحفلات باسم حركى «محمد البغدادى».

ربما لا يعلم الكثيرون أن محمد عبد الوهاب كان من بين أحلامه _ والغريب أيضا أنه كان من بين أحلام أم كلثوم _ تسجيل القرآن كاملا بصوته، ومع الأسف لم يكن هناك حماس لمنح أى منهما التصريح، ولكن هذا لم يمنع عبد الوهاب وأم كلثوم من تسجيل بعض آيات قرآنية لقصار الصور، لا تزال تبث بين الحين والآخر.

ومع الزمن ترددت أسماء عدد من المطربين، مثل على الحجار ومحمد الحلو لتسجيل القرآن، وأيضا لم تتم الموافقة، السبب لا يتم إعلانه صراحة، من الممكن أن نستنتج أن المطرب الذى غنى للحب والهجر والصد والسيجارة والكاس والكوتشينة، يرى رجال الدين أنه لا يجوز أن يسمحوا له بتسجيل القرآن، لم تعلن أى جهة دينية هذا الرأى، ولكن هكذا من الممكن أن أقرأ المشهد. على الجانب الآخر، عدد من قراء القرآن الكريم، تكتشف أنهم دارسون لأصول الغناء، ومن المعروف أن «قيثارة السماء»، الشيخ محمد رفعت، كثيرًا ما كان يدندن بأغنيات للأصدقاء فى جلساته الخاصة، إلا أنه رفض أن يتم تسجيلها.

أتذكر أن الراحل نبيل محمد فوزى، وكان مهندسا، روى لى أنه التقى الشيخ الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية الأسبق، وسأله هل يدخل أبى محمد فوزى الجنة؟

أجابه: أبوك أسعد الناس بأغنياته، وسيدخل بإذن الله الجنة، رد نبيل «ولكنى شاهدته يا مولانا فى الحفلات يحتسى الخمر؟»، أجابه «هل تأكدت أنه يشربها أم فقط يرفع الكأس؟»، قال له «كان يشارك زملاءه الفنانين الحفلات»، وجاء رد المفتى الأسبق، من الممكن أن يجاملهم، ولكنه بالضرورة واليقين ربما لم يشرب، وطلب منه فى نهاية اللقاء أن يرسل له أغانى والده، وهو ما فعله نبيل سعيدًا، معتقدًا أنه فقط يريد أغانيه الدينية والوصفية والوطنية، إلا أنه فوجئ بمكالمة من الشيخ على جمعة يسأله: وأين أغانى فوزى العاطفية أين؟ «آه م الستات».

ووصلت الرسالة أن الفنان يقدم للناس إبداعه وفى كل المجالات، وسوف يقابل ربنا وهو مطمئن لأنه أسعد فى حياته قلوب الناس! .

الموسيقار محمد عبد الوهاب، ليس فقط نموذجًا للمبدع الكبير، ولكن المثقف الكبير الذى أدرك مبكرا أن ربنا منح الفنان موهبة لإسعاد البشر أجمعين بكل اللغات والأديان، وهكذا كانت ولا تزال موسيقى عبد الوهاب تحمل لنا البهجة والسعادة، حيث يمتزج فى أنغامه الفيلسوف والعاشق والعابد لله عز وجل!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد عبد الوهاب في أنغامه يمتزج العاشق والفيلسوف والعابد محمد عبد الوهاب في أنغامه يمتزج العاشق والفيلسوف والعابد



GMT 08:10 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وباءات وطبيب واحد

GMT 08:09 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون والعرب وتحويل الأزمة إلى فرصة

GMT 08:08 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

الانتخابات الأميركية: خطر الآخر

GMT 08:07 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وماذا بعد قتل السنوار؟!

GMT 08:06 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

«لو كان... رجلاً لقتلته»

GMT 08:05 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ذاكرة لأسفارنا الأليمة

GMT 08:03 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

التفاؤل بالمستقبل.. ممكن؟ (٢)

GMT 08:02 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ما العمل؟

النجمات يتألقن في فساتين سهرة ذات تصاميم ملهمة لموسم الخريف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:02 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة
  مصر اليوم - سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة

GMT 21:03 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية
  مصر اليوم - وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية

GMT 20:39 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ
  مصر اليوم - طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ

GMT 09:53 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

اختبار جديد بالليزر يكشف عن الخرف بمختلف أنواعه في ثوان
  مصر اليوم - اختبار جديد بالليزر يكشف عن الخرف بمختلف أنواعه في ثوان

GMT 09:30 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

هنا الزاهد تعلن اختيارها وجهاً إعلانياً لشركة سعودية
  مصر اليوم - هنا الزاهد تعلن اختيارها وجهاً إعلانياً لشركة سعودية

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

GMT 00:04 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

الزمالك يتعاقد مع عمر عزب لاعب كرة السلة

GMT 20:17 2020 الإثنين ,17 شباط / فبراير

مؤشر البورصة العراقية يغلق على ارتفاع

GMT 05:06 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على المواصفات والعيوب الشخصية لمواليد "برج القوس"

GMT 13:50 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية اختيار ديكورات أسقف مطابخ منزلية عصرية

GMT 12:34 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق فعاليات مؤتمر الإفتاء الخامس بمشاركة علماء 85 دولة

GMT 06:19 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

رسمات أيلاينر مقوس بأسلوب عصري لصيف 2019

GMT 21:06 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

علاء مبارك ينشر مقطع فيديو مؤثر عن والده

GMT 22:43 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة لهيفاء وهبي تُثير الجدل على "إنستغرام"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon