بقلم - طارق الشناوي
تنشط دائما الغدة الرقابية فى رمضان، العديد من الجهات دأبت على إصدار بيانات لرصد المسلسلات المؤدبة والأخرى قليلة الأدب، وبدأت وزارة التضامن هذا النشاط مبكرا، وتفرغت للرصد الدرامى مع مزيد من شحنات التباكى على انتهاك الوثيقة الأخلاقية التى تهدد أمن المجتمع وسلامته النفسية، كما أشار بيان الوزارة أيضا إلى قائمة سوداء تستعد لإصدارها تتضمن المسلسلات الفاسدة.
الوجه الآخر للصورة هو قوائم بيضاء لمسلسلات صنعت طبقا لمعايير الأخلاق الحميدة، بعد قليل ستدخل مجالس ونقابات وجمعيات ومنظمات أخرى ترفع شعار (الكود الأخلاقى) تنتزع لقطة أو كلمة من السياق، وترصد عدد المخالفات هنا وهناك، أتذكر عند بداية إنشاء المجلس الأعلى للإعلام قبل نحو سبعة أعوام تم رصد مكافأة قدرها 100 ألف جنيه لكل مشاهد يلتقط من أى عمل فنى لفظا خارجا، وبرغم أن كثيرين تفرغوا فى الشهر الكريم للمتابعة من أجل الاستحواذ على المبلغ المذكور، إلا أننا اكتشفنا مع بزوغ هلال (شوال) أن (نقبنا طلع على شونة) وأنه مجرد (فنكوش).
سؤال يحيرنى: هل الأخلاق الحميدة حكر فقط على رمضان، أم أنها فى كل شهور العام، وإذا كانت الإجابة المنطقية والمتوقعة هى كل شهور العام، فلماذا إذن يكثر الحديث عنها فى رمضان، وتصبح الدراما هى لوحة (التنشين) المستهدفة؟.
هل هناك فن حرام وآخر حلال؟، بالمناسبة أول من عقد تلك المقارنة هو مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، عندما سأله أنور وجدى فى لقاء عابر عن التمثيل قال له (حلاله حلال وحرامه حرام)، وكررها من بعده عدد كبير من الشيوخ، وهذا يعنى أنهم يريدون فنا طبقا لقواعدهم الدينية.
وإذا كانت لدينا رقابة تراجع النصوص قبل تصويرها وهى رقابة دائما ما يصفها المبدعون بالمتشددة، التى لا تكف عن النفخ فى الزبادى، فما هو المطلوب منها أكثر من ذلك. إنهم يدفعون الرقابة للمزيد من التشدد، ويبقى السؤال الأهم: هل الفن أساسا يقيّم على هذا النحو، بطريقة إحصاء عدد مرات التدخين أو التعاطى أو احتساء الخمر، وإذا خلا من كل ذلك صار عملا عظيما؟.
فى الأعوام الأخيرة كثيرا ما تابعت المجلس الأعلى للمرأة وهو يرصد كم مرة تم الاعتداء مثلا على المرأة فى الدراما، وكم مرة قدمت شخصية امرأة تدخن سجائر، وهو ما يفرض على كتاب الدراما تجنب تقديم أى سلبيات نسائية، ولو تصورنا أن لدينا مجلسا أعلى للرجل، فمن حقه أيضا أن يعترض على تقديم أى سلبيات يرتكبها الرجال على الشاشة، تخيل أن لدينا هذا المجلس الذى يتصدى لأى محاولة للنيل من الرجل، حتى لو قدمناه وهو يدخن سيجارة، هل يستمتع المشاهد بعمل لا يرى فيه سوى ملائكة؟.
أعلم أن هناك قضايا يدخلها الكاتب خاسرا لأن الرأى العام لديه أحكام مسبقة، تتهم الشاشة بأنها سر الإخفاق فى كل شىء، لو سألت رجل الشارع أو مسؤولا كبيرا فى الدولة عن سر تراجع منظومة التعليم فى مصر سوف يشير بأصابع الاتهام إلى (مدرسة المشاغبين)، ولو قلت له ما رأيك فى انتشار العنف لن يجد إلا محمد رمضان، ولو عدت لما يصفونه بالعصر الذهبى للفن والأخلاق ستجد أن عددا من الإعلانات فى الصحافة تشير إلى أن تحية كاريوكا تشارك بالرقص فى أحد الملاهى الليلية حتى موعد السحور!!.
لم يكن المجتمع تحكمه تلك السطوة الأخلاقية، على العكس يقدم كل شىء ويناقش كل القضايا ويدع الخلق للخالق، ويشاهد (شباب امرأة) و(خللى بالك من زوزو) و(زوجتى والكلب)، و(أبى فوق الشجرة)، بدون أن تعلو أصوات التحريم، ولا تهدد فيه وزارة برفع شعار (القائمة السوداء)!!.