توقيت القاهرة المحلي 12:25:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شريف عرفة يكتب مشهدًا سينمائيًّا لا ينسى مع وحيد حامد!

  مصر اليوم -

شريف عرفة يكتب مشهدًا سينمائيًّا لا ينسى مع وحيد حامد

بقلم: طارق الشناوي

شريف عرفة من أكثر الفنانين الذين عرفتهم فى الوسط الفنى عزوفًا عن التواجد خارج بيته أو مكتبه أو الاستوديو. لديه انضباط شخصى صارم، لا يبدد طاقته خارج الرقعة الفنية، لن تجده أبدًا فى برنامج يتحدث عن شىء خاص، يرد مثلًا على انتقاد وجه إليه، أو يصحح حتى معلومة، ولكنك، وفى القليل النادر، ممكن أن تلمحه فى لقاء (بود كاست) مثلًا يؤصل حالة سينمائية أو يتناول فنانًا كبيرًا لم ينصفه التاريخ.

كثيرًا ما يتجاوز طموحه الشخصى كمخرج ليصبح هدفه، الصناعة السينمائية، التقيته قبل أيام فى الرياض بعد حفل تدشين الاستوديوهات، وتناولنا الإفطار معًا، وتبادلنا الحوار، وسوف أنشر فى القادم من الأيام ما يجوز نشره منها، لأنها كانت دردشة لا يجوز تداولها علنًا بدون غربلة أو استئذان.

قلت له فى نهاية اللقاء لدىَّ وثيقة صالحة للتداول سوف تقرأها قريبًا على صفحات (المصرى اليوم)، مقال استثنائى، أنت كتبته عندما سألتك قبل أربع سنوات عن الكاتب الكبير وحيد حامد، قبل تكريمه فى مهرجان القاهرة السينمائى، واقترحت وقتها عليك أن تسلم جائزة (الهرم الذهبى) لإنجاز العمر لوحيد، طلبت منى أن أستأذنه أولًا، وبالفعل رحب وحيد جدًا بهذا الاختيار، وكانت لقطة لا تنسى داخل المسرح الكبير فى دار الأوبرا المصرية.

«المشهد الأول

الميريديان على النيل نهار/ داخلى

القاهرة ١٩٨٨

دخلت بهو الأوتيل، كُلّى رهبة وقلق، فقد أبلغنى الأستاذ وحيد حامد بأن أحضر له فى الصباح حوالى العاشرة لأمر هام، كلى تساؤلات هل سيعرض علىَّ سيناريو أو سيعطينى سيناريو كتبه آخر كما فعل معى من قبل؟، فهو بعد أن شاهد فيلمى الأول (الأقزام قادمون) وكتب عنه مشيدًا به على صفحات مجلة (صباح الخير)، وبعد عدم التوفيق جماهيريًا لفيلم (الدرجة التالتة)، أخذنى من يدى وقتها وذهب بى لأحد المنتجين وأعطانى هذا المنتج أربعة سيناريوهات لأختار منها واحدًا، واعتذرت.. بعدها بفترة التقينا عند أحد المنتجين وأخبرنى الأستاذ وحيد: (أعدى عليه بكرة فى المريديان، على مائدته الشهيرة، مكانه اليومى الدائم فى الكتابة ثم لقاء الأصدقاء).

دخلت الكافيتريا، مكان مزدحم بالأفواج السياحية التى تنهى إفطارها تمهيدًا للخروج فى جولاتها السياحية، وقبل أن أسأل عن مكان (الترابيزة) الخاصة به، وجدته فى الركن البعيد من الصالة يجلس بمفرده، وأمامه ورق موضوع بشكل منظم وكوب طويل ممتلئ بالثلج ومج زجاجى به قهوة فرنساوى، ومقلمة جلدية فاخرة جدا وأمامه أيضًا شنطة كبيرة.

من الوهلة الأولى، تكتشف أنه منظم، وأنه يعتز جدًا بالأدوات التى يكتب بها، اقتربتُ، فلم يلحظنى فى البداية، فهو منشغل بأوراقه وبالكتابة، وقبل أن أصل إليه بخطوة..

شريف: صباح الخير يا أستاذ وحيد

رفع نظره.. ابتسم..

وحيد: صباح الخير.. اقعد.

جلست أمامه.. فأغلق القلم.

وحيد: اسمع أنا اللى بيشتغل معايا بيبقى صاحبى.. يعنى تقولى وحيد على طول.. فاهم؟

(ملحوظة.. فرق السن كبير بيننا).. هزيت رأسى بالموافقة، وطلبلى قهوة وفتح الشنطة وأخذ دوسيه به أوراق كثيرة أعطاها لى.

وحيد: خد الورق دا وروح أقعد على (الترابيزة) اللى هناك دى، إقراه، وبعدين تعالى نقعد سوا، وحابعتلك القهوة على هناك.

أخذت منه الورق وذهبت للترابيزة القريبة منه، ولكنه أشار إلى ترابيزة أبعد، تحركت إليها وجلست وفتحت الدوسيه وقرأت العنوان: (اللعب مع الكبار).. تأليف وحيد حامد.

تتابعت الصفحات وازداد حماسى فى القراءة حتى آخر ورقه ووصلت لكلمة النهاية، وكانت وقتها: (حسن يتصل بالناس وأجراس متعددة على .. تتاله للقاهرة).. أغلقت السيناريو ووقفت أمامه.

وحيد: اقعد...ها.. إيه رأيك؟

جلست أمامه .. شريف: حلو جدًا.. وحيد: تخرجه؟.. شريف: دا بطولة عادل إمام أكيد.. صح؟.. وحيد: مظبوط.. شريف: وهو حيوافق إنه يشتغل معايا؟.. وحيد: مالكش دعوة بعادل إمام.. إنت موافق؟ .. شريف: طبعا.

أخرج دفتر شيكاته وكتب شيكًا وأعطاه لى، نظرت للرقم كان أربعة آلاف جنيه، وهو أكبر رقم شفته فى حياتى وقتها.

(ملحوظة.. لم أسعد بأى مبلغ مهما كان حجمه فى حياتى مثل هذا المبلغ)

وحيد: اسمع أنت تأخذ الشيك ده والسيناريو وتكتبلى ملاحظاتك وطلباتك فى ورقة وتجيلى بكرة.

شريف: وعادل إمام لو موافقش يشتغل معايا؟.. أنا مانجحليش أفلام قبل كده.

وحيد: قولتلك مالكش دعوة بعادل إمام.. إتفضل، حاستناك بكرة فى نفس الميعاد.

شريف: أستاذ وحيد أنا متشكر جدًا.

وحيد: قلتلك إيه.. وحيد بس إنت حتبقى صاحبى خلاص.. مع السلامة.

هذا هو المشهد الأول بينى وبين وحيد حامد، ولم يكن الأخير، بل تعددت المشاهد والمواقف التى هى ولو درامية على الورق، فهى درامية أيضًا فى حياتنا، وفى علاقتنا التى لم تتغير ولم تختلف، يعرفنى جيدًا وأعرفه جيدًا واتفقنا فى معظم الأحوال. وحتى فى اختلافاتنا القليلة جدًا كانت بيننا، وبشكل متحضر، وتنتهى بالمناقشة ولا فائز ولا مهزوم.

من هذا الرجل الذى يجلس صباحًا ليكتب فى أوتيل خمس نجوم، وبالليل يجلس على قهوة فى عماد الدين؟.

لم يكن بالنسبة لى ولمن اقترب منه غير كتاب مكشوف، هو فنان موهوب، وهذا أعرفه قبل أن أقابله.. ولكنه وبعد أن التقيت به ولأول مرة وعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة هو نفس الرجل لم يتغير صاحبى، أو كما اتفقنا أخى. الكبير هو نفس الرجل وحيد.. حاسم.. واثق من نفسه، متواضع لأقصى درجة.. محترف جدًا، فهو يعرف قيمة المخرج مهما كان هذا المخرج فى بداية مشواره، أو ذو مكانة يستمع إليه جيدًا فى ملاحظاته وينفذها إذا اقتنع وبعدها يرفض المناقشة مع الممثلين ويتركها للمخرج، ليس استخفافًا بالممثل، ولكن لأنه يعتبر المخرج عند تحمله المسؤولية هو صاحب العمل، ومن يتخذ القرارات حتى لو كان وحيد هو منتج العمل فعندما تدور الكاميرا لا رأى بعد المخرج.

أتذكر أنه عام ١٩٩٦ وبعد فيلم إضحك الصورة تطلع حلوة، لم نلتق فنيًا للأسف الشديد، ولكن سيظل وحيد حامد هو المحطة الرئيسية التى أرجع إليها دائما لكى ألتقى به وأتزود بالأحاسيس وبالمشاعر وبالرأى الراجح الذى دائمًا وأبدًا لا أجده إلا عنده.

شريف عرفة».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شريف عرفة يكتب مشهدًا سينمائيًّا لا ينسى مع وحيد حامد شريف عرفة يكتب مشهدًا سينمائيًّا لا ينسى مع وحيد حامد



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon