بقلم - طارق الشناوي
كثيرا ما أصادف هذا السؤال: أيهما أفضل المسلسل 15 حلقة أم 30؟.
وبعد أن صارت المنصات تلعب دورا محوريا، وأصبح لدينا مسلسل 7 وآخر 8 وثالث 9، وتم تحطيم الرقم المقدس 30، ازداد معدل ترديد السؤال.
لا يوجد رقم سحرى، القيمة تتحقق من خلال زمن المسلسل الفعلى، والزمن الدرامى الذى تستغرقه الأحداث، ولو توافق الرقمان سيتحقق النجاح.
أول طريق للوصول لهذا الهدف أن يتوقف الكتاب عن العمل بنظرية الفطاطرى، يتحول النص إلى قطعة من العجين، تشكلها على حسب رغبات الزبون.
قليل من الدقيق، من الممكن أن تشغل مساحة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات، لو أن الفطاطرى مثلا قرر أن يصنع منها قطعة (بيتزا) صغيرة، بينما نفس الكمية لو كان بصدد فطيرة ستجدها وقد اتسع قطرها، إلى دائرة مترامية الأطراف، سمكها محدود جدا، لكنها تشغل حيزا كبيرا.
هل تجدون توافقا بين الفطيرة وعدد غير قليل مما شاهدناه ولانزال من المسلسلات؟، وهكذا ستجد توصيف (اللت والعجن ، هو الأقرب للصحة فى أغلب ما تعرضه الفضائيات، نستمع مثلا إلى جرس الباب، وتنتقل الكاميرا بين أفراد العائلة، نرى أحدهم نائما، والثانى عامل نفسه نائم، والثالث يعيش أحلام اليقظة، الرابع يتوجه صوب الباب، وقبل أن يفتح، يصطدم بالكرسى وتتعثر قدمه فى السجادة، وهكذا تضيع بضع دقائق، إنه صراع الصفحة البيضاء، والتى يجب على الكاتب المحترف أن يملؤها، حتى يتمكن من تبديد زمن الحلقة.
بداية أقول لكم إن تشبيه الكاتب بالفطاطرى، هذا التماثل العبقرى ليس من بنات ولا عمات ولا خالات أفكارى، ويملك حق براءة اختراعه كاتبنا الكبير الراحل وحيد حامد، وذلك فى حوار طويل أجريته معه، عندما سألته عن (آفة) الدراما التليفزيونية؟، أجابنى مباشرة أن يغير الكاتب مهنته ويصبح (فطاطريا).
عدد كبير من أشهر المسلسلات التى سكنت الذاكرة والوجدان لم تتجاوز رقم 15 وبعضها 13 مثل (هو وهى) سعاد حسنى وأحمد زكى و(أحلام الفتى الطائر) عادل إمام، كثيرا ما حاولوا إقناع الكاتب والمخرج لتقديم أجزاء ثانية، إلا أنهما رفضا تحويل العمل الدرامى إلى قطعة من العجين.
لماذا لا نعود لزمن كان هناك أيضا ما يُعرف بالخماسية والسباعية، بل والسهرة الدرامية التى لا تتجاوز ساعتين من الزمن؟.
سألت المخرج يوسف شاهين عن العيب الأكبر فى الدراما التليفزيونية؟ أجابنى: الرغى، وكان يحذر كل من يعمل معه بضرورة تجنبها، واعتبر الممثل التليفزيونى مثل بائع اللبن الذى يطرق باب الزبون كل صباح ومعه الزجاجة، كما أنه كان يراها مثل الرمال المتحركة، من تنزلق قدمه مرة لن يستطيع الفكاك، الغريب أن كل من حذرهم يوسف شاهين أصبحوا من علامات الدراما التليفزيونية، مثل نور الشريف ويسرا ومحمود حميدة وهانى سلامة!!.
فى الماضى كان التقييم الأدبى لنجم التليفزيون يضعه فى مكانة أقل من نجم السينما، وانعكس هذا أيضا على الفارق فى الأجور، ومع انتشار الفضائيات، تقلصت المساحة، ومع هذا العدد الضخم من المنصات تلاشت تماما.
صار السؤال الأهم: ما الذى تقدمه من محتوى، الدنيا قطعا تغيرت، ورغم ذلك لم يختف بعد فطاطرى الدراما الذى لايزال تحت الطلب ورهن الإشارة؟.