بقلم - طارق الشناوي
من القلب إلى القلب، هكذا غنت نجاح سلام لمصر، أثناء العدوان الثلاثى في 56 بالفصحى (أنا النيل مقبرة للغزاة)، شعر محمود حسن إسماعيل، وبالعامية (يا أغلى اسم في الوجود) لإسماعيل الحبروك، ووصلنا معها لذروة الإحساس بالوطنية.
منحها الله صوتا نادرا في صدقه، لا تخطئه أبدا الأذن، يستقر مباشرة في الوجدان، تشعر بوحشة عندما يغيب عنك، أن تنجح في زمن به أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وصباح وشادية وفيروز، فهذا يكفى كدليل على التفرد.
الفنانة القديرة نجاح سلام ظلت حريصة أن تغنى بالمصرى واللبنانى، جرى العرف أن الفنان العربى في مصر يقدم لأهلها أغانيهم بالكلمة واللحن المصرى، ظلت تحمل في قلبها كل الجمال العربى، تبثه إلينا بالنغمة والكلمة، نغنى معها باللبنانى (برهوم حاكينى) و(شاب الأسمر جننى) للملحن اللبنانى فيلمون وهبة. وفى نفس الوقت تغنى لرياض السنباطى (عايز جواباتك) ولكمال الطويل (أسرار الحب) ولمحمد الموجى (يا أغلى اسم).
شكلت للسنباطى خط الدفاع الأول هي وسعاد محمد وشهرزاد، وهكذا مثلا عندما تتقاعس أم كلثوم عن غناء (عايز جواباتك) تأليف حسين السيد، كان لديها اعتراض على بعض الكلمات، على الفور يمنحها السنباطى، كما هي لنجاح سلام؛ لتصبح بمثابة درس لأم كلثوم، اللحن حقق ولا يزال نجاحا استثنائيا (القصور إللى كلامك كان بانيها/ واللى كل مكان فرش لى ركن فيها).
نجاح سلام التقيتها مرات قليلة، لديها قدر من التحفظ مع الإعلام، وقبل نحو شهر حاولت وأنا في بيروت التواصل معها، قال لى أحد الزملاء الإعلاميين القريبين من دائرتها، إنها لم تعد في حالة صحية جيدة تؤهلها للقاء مع أحد.
كم خسرنا لأننا لا ندرك ما لدينا من مواهب رحلت عن عالمنا قبل توثيق المشوار بالصوت والصورة، حاولت أكثر من مرة مع العديد من الشخصيات المؤثرة في حياتنا، ولكن لم أجد أي استجابة حقيقية.
نجاح سلام تحجبت في الثمانينيات إلا أنها لم تتنكر أبدا لأغانيها العاطفية، وواصلت الغناء بالحجاب، إنها مثل كل المطربين والمطربات من جيل الخمسينيات، شاركت في عدد من الأفلام، لم تكن موهوبة في الوقوف أمام الكاميرا، لكن يكفى أن السينما حفظت لنا عددا من أغانيها.
تزوجت الفنانة الكبيرة من المطرب والملحن اللبنانى محمد سلمان الذي شارك ببطولة العديد من الأفلام، واشتهر بالقصيدة الوطنية (لبيك يا علم العروبة/ كلنا نفدى الحمى)، ثم أنجبا وانفصلا، ورغم ذلك عندما اشتد به المرض وأصبح عاجزا عن الحركة تماما، قررت أن تعود إليه لتظل في خدمته حتى رحيله.
نجاح سلام من أسرة تجمع بين الدين والأدب والشعر والصحافة، وشقيقها الكاتب الصحفى الكبير عبدالرحمن سلام كثيرا ما التقيته في مصر.
استمعت لأحد تسجيلاتها الإذاعية القليلة وهى تحكى كيف أنها استقلت تاكسى في الخمسينيات من بيتها إلى مسرح الأندلس بالقاهرة، للمشاركة في حفل (أضواء المدينة)، وسألت السائق أن ينتظرها أمام المسرح ولم تخبره أنها المطربة نجاح سلام، إلا أن السائق قال لها إنه يجب أن يعود لمنزله مسرعا حتى يستمع إلى المطربة التي ستغنى (برهوم حاكينى)، قالت له (لو انتظرتنى ح اديك خمسة جنيهات)، فقال لها خلاص لا برهوم ولا حاكينى، وانتظر، وعندما استقلت مجددا التاكسى في رحلة العودة تضاحكت معه وهى تغنى له منفردا (برهوم حاكينى)، وضاعفت له الرقم ليحصل على عشرة جنيهات!!.