توقيت القاهرة المحلي 13:49:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«كذب أبيض».. أكاذيبنا العميقة تلك التى نراها ناصعة البياض!

  مصر اليوم -

«كذب أبيض» أكاذيبنا العميقة تلك التى نراها ناصعة البياض

بقلم - طارق الشناوي

حاولت أن أتنبأ بنتيجة لجنة تحكيم مهرجان (مالمو)، ارتديت نظارة المخرج المتمرد المشاغب خيرى بشارة، رئيس لجنة التحكيم، ووجدت أنه رغم شراسة المنافسة بين العديد من الأفلام التي يملك أغلبها سحرا خاصا وجدارة بالجائزة، قسط وافر منها جاء للمهرجان مرصعا بالجوائز التي تم تتويجه بها من أعرق المهرجانات العالمية، إلا أن (كذب أبيض) له مكانة خاصة، فهو يتوافق مع (جينات) بشارة الإبداعية، ولهذا شعرت أنه سيحظى بتلك المكانة.

سيظل هذا الفيلم، لكل من أتيحت له مشاهدته، يشكل حالة من السعادة والاشتياق، ستكتشف، بعد قراءة (تتر) النهاية، أنك تبحث عن وسيلة أخرى لكى تسارع بمشاهدته مجددا، فهو ينتقل من عينك لكى يسكن قلبك.

حكايات الكذب الأبيض كلنا عشناها، حلّقنا ونحن أطفال مع خيالنا بأجنحة ترنو للسماء، نسرد حكاية تخترق كل تخوم المستحيل، نرويها بكل صدق، كأننا بالفعل عشناها بكل صدق.

عدد كبير من الجوائز نالها فيلم (كذب أبيض)، وكنت شاهد عيان عليها، أول قطفة للجوائز، عندما عرض في شهر مايو الماضى بمهرجان (كان)، قسم (نظرة ما)، وحصدت المخرجة جائزة أفضل إخراج، وتعددت بعدها الجوائز التي نالها، لا أزال أترقب المزيد، بعد (مالمو).

الفيلم بتوقيع المخرجة أسماء المدير، التي كتبت أيضا السيناريو، وأضافت لمساتها على المونتاج الذي أراه أحد أهم الأبطال. على ملامح الشريط الذي شارك فيه عدد من أفراد عائلة المخرجة يمثلون الأجيال الثلاثة: الجدة والأب والحفيدة، منهم زهراء الجداوى ومحمد المدير وعبدالله عز، وقامت أسماء في هذا الفيلم الوثائقى بدور المحاورة والمحققة، فهى تبحث عن الحقيقة، وما حدث بالضبط قبل 43 عاما، فيما عرف بالمملكة المغربية بانتفاضة الخبز.

فيلم (كذب أبيض) به دماء عربية متعددة، من خلال مساهمات إنتاجية أيضا من مصر والمملكة العربية السعودية وقطر، وقسط وافر واستثنائى من مبدعين من المغرب الشقيق، التصوير حاتم ناشى والموسيقى ناس الغيوان. إنه الفيلم الذي ما إن ينتهى عرضه على الشاشة، إلا وتكتشف أنك تعيد عرضه لا شعوريا في وجدانك، وقد تضيف أو تحذف، إلا أنه يبقى بداخلك وكأنه بالضبط ما شاهدته. الشريط لا يتوقف فقط أمام لحظة تاريخية في المملكة المغربية، تلك الأحداث المصيرية، في زمن ولاية الملك العاشق للفن، والموسيقى تحديدا الحسن الثانى، والد الملك محمد السادس، تلك هي الخلفية السياسية المباشرة، إلا أن الشريط السينمائى يبحث عما هو أبعد من كل ذلك، عن طريق الحوار الذي أجرته الحفيدة (المخرجة أسماء المدير)، مع الجدة، الحفيدة تسعى لتوثيق الحقيقة، ونتوقف أمام الحكاية وكيف نرويها، ويدخل الزمن كطرف فاعل في كل التفاصيل، الحفيدة تبحث عن صورة من طفولتها وسط بقايا صور جدتها، التي يضمها (الألبوم)، المتخم بالصور، التي ترك الزمن بصماته عليها، ومن خلال تلك الوثائق المتناثرة، نعيش الزمن، الذي لا يروى الحقيقة المباشرة، فأنت موقن أن ذاكرة الجدة من الصعب أن تظل تحمل كل تلك التفاصيل، ولكن حتى الخيال من الممكن أن يصبح وسيلة لكى ندرك من خلال تتابعه حقيقة الحقيقة.

الفيلم التسجيلى يتكئ على حكايات تختلط من أجل أن تتسق، تروى تفاصيل الكثير عن تلك الحقبة، الجدة لم تعترف بأن حفيدتها مخرجة سينمائية، فهى ترى أن السينما مثل (الكباريه)، لا ترضى لحفيدتها الذهاب إليه، لكنها تعتبرها صحفية، تحظى باحترام أدبى، يرضاه المجتمع، فهى تعبر عن منطق عاشته ولاتزال بقاياه حاضرة في الذاكرة، التي لا تستطيع أن تضع خطا فاصلا بين الواقع الذي عاشته والخيال الذي تعايشت معه.

الجدة، الملكة المتوجة في هذا المنزل، هكذا يراها الجميع، فهى عمود البيت الذي يضم الأجيال الثلاثة، وتستعيد الحكاية من خلال بناء ديكور للزمن بكل تفاصيله، وتظل صورة الملك الحسن الثانى تزين المكان، وهى في القلب عند الجدة، بينما تنتقد الحفيدة ما حدث وأدى لتلك الانتفاضة التي اندلعت بسبب رغيف الخبز، لكن لماذا وصفها بالكذب الأبيض؟ لأنه لا يضر، بل أحيانا مباح، وفى ظل ظروف محددة، ضرورى وحتمى، وكلنا نلجأ إليه مع اختلاف الدرجة وتباين الظروف.

هل الجدة وهى تروى الأحداث تكذب عامدة متعمدة، أم أن الصحيح أنها تروى ما تعتقد أنه حدث بالفعل؟.

المخرجة تنتقل بين تسجيل الحدث إلى اللعب بالعرائس، التي تشبه الدمى الروسية، تفتح عروسة لتخرج منها واحدة أصغر، وهكذا، وقد نرى العكس أيضا العروسة الصغيرة تتلبسها عروسة أكبر.

الديكور الذي تقدمه لشقة الجدة، في مجسم صغير المساحة، ثم تقدم لنا ديكور الشارع في (كازابلانكا)، حيث تجرى الأحداث أشبه بلعب الأطفال يعيدنا مجددًا لزمن البراءة، قد تراه في لحظة لعب أطفال، وهو كذلك، فأنت ستكتشف أن الطفل بداخلك قد استيقظ مجددا الجدة، الملكة المتوجة، ولها كلمة نافذة على

الجميع، كأنها سبيكة نادرة عناصرها الأساسية، ذكاء وخفة ظل وكاريزما زادها الزمن حضورا ووهجا، إلا أنها أيضا متسلطة في قراراتها، تعتقد فقط أنها تملك كل الصواب.

لا توجد ذاكرة فوتوغرافية، وحتى لو وجدت ستكتشف أن اختيارك للزاوية التي تطل منها على الحدث، هي التي تفرق بين إنسان وآخر عاشا نفس اللحظة، وقد يتناقضان في الرؤية 180 درجة.

الفيلم يقدم مخرجة تتعامل مع الشريط السينمائى بروح الطفل الذي تحركه فطرته، وهكذا حرصت أسماء المدير، في أسلوبها العفوى وهى تروى لنا الحدث، على أن يعلو حضور الطفل بداخلها، تمتلك كل أدوات التعبير من حركة الكاميرا والإضاءة والموسيقى.

ما أجمل أن يستيقظ بعد نهاية عرض الفيلم، بداخلك، عالم الطفولة، وأروع ما فيه هو (الكذب الأبيض)!.

ماذا لو كان لدى كاتب هذه السطور الحق في اختيار الفيلم الجدير بالأفضل؟.. يقينا رغم شراسة المنافسة سأمنح صوتى لـ(كذب أبيض)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كذب أبيض» أكاذيبنا العميقة تلك التى نراها ناصعة البياض «كذب أبيض» أكاذيبنا العميقة تلك التى نراها ناصعة البياض



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة

GMT 20:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

رسميًا إيهاب جلال مديرًا فنيا لنادي بيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon