بقلم - طارق الشناوي
لا يخلو المهرجان من سياسة، وكل التظاهرات الثقافية والفنية ستلمح فيها تلك الجرعات السياسية المكثفة، ينبغي دائماً وفي كل الأحوال تقنين الجرعة، حتى لا ينقلب السحر على الساحر، مهرجان «كان» في تلك الدورة «الماسية» الاستثنائية (75 عاماً)، زادت فيه الجرعة أكثر مما ينبغي، رغم أن الساحر لا يزال يراها في إطارها المطلوب.
ما فعله المهرجان الأشهر والأضخم عالمياً، سيفتح الباب على مصراعيه لتنويعات أخرى على المنوال نفسه، لديكم مثلاً منع السينما الروسية من الوجود إلا فقط لمعارضي نظام بوتين، من الممكن أن أتفهم أن المهرجان لا يعرض أفلاماً تدافع عن بوتين، ولكن لا مقاطعة للسينما ولا للسينمائي الروسي الذي يقف على الحياد، ربما نكتشف مع الزمن أنه بقلبه ضد الرئيس.
مثل هذه القرارات كانت كثيراً ما تلجأ إليها مصر والعديد من الدول العربية في الماضي، مثلاً بعد العدوان الثلاثي عام 56 والذي شاركت فيه فرنسا مع إنجلترا وإسرائيل لضرب مصر، قررت الدولة المصرية مقاطعة مهرجان «كان» الفرنسي لبضع سنوات، وبعد ذلك عدنا للمشاركة مطلع الستينيات، رغم أن مصر ومنذ انطلاق المهرجان عام 46 كانت حريصة على الوجود الرسمي في كل فعالياته، في أعقاب هزيمة 67 تقرر منع عرض الأفلام الأميركية تجارياً، ثم عادت بعد بضعة أشهر لدور العرض، في الماضي كانت مصر والعديد من الدول العربية إذا شاركت إسرائيل في أي مهرجان عالمي داخل المسابقة الرسمية على الفور ننسحب، مع الزمن تغير الوضع وصارت مشاركتنا لا تضع أي اعتبار آخر، مثلاً فيلم «المسافر» بطولة عمر الشريف إنتاج وزارة الثقافة المصرية عام 2009. شارك رسمياً في «فينيسيا» وكان ينافسه فيلم إسرائيلي.
في العالم العربي كل المهرجانات ترفض مشاركة أي فيلم إسرائيلي حتى لو كان بأيدي فلسطينيين، مما نطلق عليهم (عرب فلسطين) هؤلاء الذين ولدوا بعد 48 ووصلنا حالياً للجيل الثالث، إلا أن قرار المنع يطبق بدقة.
ما الذي دفع مهرجان «كان» لأن يعرض في الافتتاح كلمة للرئيس الأوكراني زيلينسكي لتصبح بمثابة ضربة بداية قوية ومباشرة؟
الاجتياح حالة استثنائية، واستحق أيضاً ردود فعل استثنائية، المشكلة تكمن في تداعيات ما سوف يحدث بعد ذلك، في المهرجانات الكبرى التي تتبع (الاتحاد الدولي للمنتجين)، وهو الذي يضع القواعد المنظمة لها، ويقدم دائماً مندوب الاتحاد تقريراً عن المهرجان، ماذا لو وجدنا أن عدداً من المهرجانات الأخرى، التابعة للاتحاد تبنت ضمن فعاليتها الأفكار السياسية، هل سيقرر الاتحاد وقتها تطبيق قواعده الصارمة عليها التي تمنع هذا التداخل الصارم؟.
هل تنجح الثقافة في تغيير السياسة؟ هذه المرة أراها تدخل في إطار زيادة إحكام الإغلاق والحصار على المواطن الروسي، مثل قطع خطوط الطيران وفرض قيود في التعامل الاقتصادي كلها تصب في اتجاه واحد، أن يشعر المواطن الروسي مهما كان موقعه، في أي مجال أنه يدفع ثمن قرار رئيس دولته، وأنه يخسر كثيراً بسبب هذا القرار.
المقصود من كل ما نتابعه، زيادة شحنات الغضب ضد القيادة السياسية، ويبقى أن رد فعل الشعب بتراكم الأزمات لا أظنها أبداً لصالح بقاء بوتين، والغضب يتأجج في الصدور، مع استمرار كل تلك الضغوط وبكل الأسلحة الفتاكة سواء حملت أسلحة دمار شامل، أو جاءت في سياق طعنات دموية يحملها فيلم سينمائي!