بقلم - طارق الشناوي
هذا العمود كتبته عام 2008 بنفس العنوان، على صفحات جريدة (الدستور) اليومية، التى كان يرأس تحريرها الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، بعد أن قرأت خبر رحيله، تذكرت أننى سبق أن أعلنت حبى له، ولم تكن بينى وبين هذا الرجل الاستثنائى قبل ذلك التاريخ أى معرفة شخصية، بعدها كنت بين الحين والآخر ألتقيه وأجد نفسى دائما أقبله وأحضنه، فهو من الشخصيات التى تفيض عيونها بكل دفئ قبل أن تنطق شفتاه بكلمة أهلا، وهذا هو العمود بدون إضافة ولا حذف.
بمجرد إلقاء القبض على جورج إسحاق والتحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة العليا وجدت نفسى أتذكر فيلم (بحب السيما)؟!.
ما هى العلاقة بين فيلم (بحب السيما) وجورج إسحاق؟، إنه التفرد والشجاعة، رأينا شخصية مسيحية تتزعم حركة سياسية، فهو أول منسق عام لجماعة (كفاية)، وبرغم أن المنسق الحالى هو د. عبد الوهاب المسيرى، إلا أن جورج لم يبتعد عن الصورة، فهو مصرى مسيحى، نحن الآن بصدد الحديث عن مصرى يضع قضية الحرية أمامه هدفًا لا يحيد عنه ويسبق عشقه للوطن أى عشق آخر، نعم هو حالة استثنائية ولا أقول بالطبع وحيدة، فهناك أسماء مسيحية أخرى تنهج نفس الطريق، إلا أن أوضح صورة هو جورج إسحاق مثلما كان فيلم (بحب السيما) للكاتب هانى فوزى والمخرج أسامة فوزى، فهو ليس الوحيد الذى تناول العائلة المسيحية، لكنه الأكثر صراحة وصدقًا وإبداعًا فى تقديم شخصيات مسيحية، حيث نرى كل التفاصيل الإنسانية، الزواج، الحب، الحلال، الحرام، الخيانة.. كلها مفردات شاهدناها. لأول مرة نرى المسيحيين على الشاشة يحتلون كل المساحة.. نعم هناك محاولات سابقة مثل أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ فى (ليالى الحلمية)، وأيضًا وحيد حامد وسمير سيف فى (أوان الورد)، المسلسل الأول وضع على الشخصية المسيحية أوراق سوليفان من المثالية المفرطة، لا تصدقها كطبيعة بشرية تحب وتكره وتغضب، والثانى تعامل معها فى إطار هندسى صارم بين الشخصيات المسلمة والمسيحية، واضطر المسلسل لتغيير موقفه الدرامى فى نهاية الأمر حتى لا يغضب المسيحية الذين تظاهروا فى الكنيسة، احتجاجًا على البطلة التى تزوجت مسلمًا واحتفظت بدينها، واضطر وحيد أن يعلن على لسانها فى الحلقات الأخيرة رفضها لهذا السلوك الذى يتنافى مع تعاليم الكنيسة.. (بحب السيما) واجه بالفعل مجتمعًا بمسلميه ومسيحييه لم يستسيغوا تلك الروح ولا هذا النبض الجديد، بل إن أول لجنة شكلتها وزارة الثقافة للتصريح بالفيلم حرصت الدولة على اختيار أغلب أعضائها من المسيحيين، هذه اللجنة رفضت الفيلم وطالبت بعرضه على الكنائس الثلاث أولًا (الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت)، لولا أن الوزارة تنبهت فى اللحظات الأخيرة وشكلت لجنة أخرى وصرحت بالفيلم.
أخطأت بالفعل وزارة الثقافة عندما كرست فكرة الطائفية فى الفن وتعاملت مع الشريط باعتباره مصنفًا مسيحيًا ينبغى أن يوافق عليه عدد من النقاد والكتاب والفنانين المسيحيين أولًا، وهكذا منحت مشروعية للكنيسة لأن تعلن غضبها لتواجه به هذا الفيلم الذى قدم لأول مرة لمسيحيين من دم ولحم ومشاعر باعتبارهم مصريين أولًا ومسيحيين ثانيًا تمامًا مثل جورج إسحاق المصرى أولًا، المسيحى ثانيًا. أحببت (بحب السيما) لتفرده وجرأته، ولأنه يطبق مبدأ المواطنة الإبداعية، أحببت جورج إسحاق لتفرده وجرأته، ولأنه يطبق مبدأ المواطنة السياسية!!.
انتهى العمود الذى نشرته قبل نحو 15 عامًا، وداعًا أستاذى المصرى الوطنى جورج إسحاق!!.