بقلم - طارق الشناوي
يعرض الآن وفى أكثر من دولة بينها مصر الفيلم الأمريكى الملحمى (قتلة زهرة القمر) لاحد أهم أساطين السينما مارتن سكوسيزى، شارك فى بطولته ليوناردو دى كابريو وروبرت دى نيرو وليلى جلادستون وجيسى بليمنز.
الفيلم شاهدته أول مرة فى مهرجان (كان)، مايو الماضى، حرص (سكورسيزي) على عرضه، بعيدا عن التسابق، كما يفعل عادة الكبار، الذين يفضلون، الترويج للفيلم، وتجنب انتظار النتائج التى تخضع فى النهاية لتقدير لجنة تحكيم، قد يكون أعضاؤها من تلاميذ المخرج المنوط بهم تقييمه، فكيف يستقيم الأمر؟!.
حظى العرض وقتها الذى يمتد إلى نحو ثلاث ساعات ونصف الساعة، بأكبر قدر من الجماهيرية والمتابعات النقدية، وهكذا تحقق الهدف من انطلاقه عن طريق المهرجان الأشهر فى العالم.
قبل موافقة الرقابة المصرية على عرض الفيلم بدأنا نقرأ عن مطالبة البعض بمنع العرض، لأن شركة الإنتاج الأمريكية، منحازة لإسرائيل، كما أن الرئيس الأمريكى جو بايدن احتضن باكيا فى المطار السفاح نتنياهو، وهى لقطة ستظل طويلا شاهدة على الخسة الأمريكية، بعد أن منحه كل الضمانات لاغتيال أهلنا فى غزة.
التجربة أثبتت ان مقاطعة الفيلم الأمريكى عبر كل الأزمنة لم تؤت أبدا ثمارها، أشهر الوقائع ما حدث فى أعقاب هزيمة 67، ارتفع منسوب حدة الغضب فى الشارع المصرى والعربى ضد كل ما هو أمريكى، وارتفعت بالضرورة حدة المطالبة بمقاطعة كل المنتجات الأمريكية، وأشهر سلعة يتم التعاطى معها هى الفيلم، وهكذا توجهت كل مساحات الغضب إلى الشريط السينمائى، قررت الدولة مقاطعته استجابة للغضب الجماهيرى، الذى أيدته الصحافة، ووجدت فى تنفيذ هذا الإجراء قدرا من التنفيس المشروع عن الغضب.
فى تلك السنوات لم تكن مشاهدة الأفلام متاحة إلا فى دار العرض- قبل زمن الفيديو والفضائيات- أى أن منع هذه الأفلام، من التداول، كان بالفعل أقرب للمصادرة، بينما صار المنع فى مطلع هذا القرن ومع انتشار الفضائيات نوعا من العبث، أغلب الأفلام الأجنبية، بعد بضعة أيام تجدها متوفرة على (النت) وأيضا بترجمة عربية، فى العديد من المنصات الرقمية.
منع الفيلم الأمريكى من التداول بعد هزيمة 67 برغم أنه جاء مباشرة كقرار من الرئيس جمال عبدالناصر لوزير الثقافة د. ثروت عكاشة، إلا أنه كما روى لى الرقيب فى تلك السنوات مصطفى درويش، لم يستمر أكثر من شهرين، وعادت بعدها دور العرض، تستقبل الفيلم الأمريكى، الدولة أيقنت أنها تعاقب المتفرج المصرى، عندما تحرمه من متابعة الفيلم والنجم الأمريكى.
سلاح المقاطعة بات يستخدم هذه الأيام بإسراف شديد، بل تلاحق الكثيرين نظرات واتهامات وتلميحات الخيانة الوطنية، لكل من لا يشهر هذا السلاح، وكأنه يرتكب خيانة وطنية، وهكذا ترددت أسماء مطاعم ارتبطت أصولها بأمريكا مثل (ماكدونالدز) ومشروبات البيبسى كولا وغيرهما، وتتعدد تنويعات المقاطعة.
المقاطعة الثقافية والاقتصادية والسياسية هى مع عدونا الاستراتيجى إسرائيل، نعم لا يمكن أن يشارك فنان عربى فى مهرجان إسرائيلى، ولا تتم دعوة أى فنان إسرائيلى إلى تظاهرة على أرضنا، حدث مثلاً قبل خمسة عشر عاما أن حاولت إسرائيل اختراق مهرجان القاهرة السينمائى بفيلم (زيارة الفرقة)، وجاء الرفض من المهرجان مباشرًا وقاطعًا وبلا لبس، حتى لو كانت رسالة الفيلم تحاول أن تتحدث عن السلام، إلا أنها فى النهاية، رسالة مغموسة، بدهاء صهيونى، بمحاولة لاختراق حائط الرفض الشعبى. عندما سألت صحفية جو بايدن متى تأمر أمريكا إسرائيل بإيقاف ضرب غزة؟ أجابها: (لم أسمع السؤال)، وعندما كررت السؤال أكد ساخرًا (لم أسمع السؤال).