بقلم - طارق الشناوي
مع انطلاق فعاليات مهرجان (كان)، الذى افتتح أمس دورته التى تحمل رقم (76)، تعودنا طوال تاريخ المهرجان أن تصاحبه المظاهرات حول القصر، ويختلط الأمر بين الحالة الفنية والسياسية والاجتماعية.. كل فئة لديها مطلب ما، تجد فى فعاليات المهرجان فرصة للتعبير.. كل من لديه إحساس بالظلم، كثيرًا ما يجد فى حالة المهرجان فرصة لا تعوض من أجل جذب الانتباه، ومن ثم وصول رسالة الاحتجاج لدائرة أوسع تشمل العالم كله وبمختلف اللغات.. أغلب الفضائيات بين الحين والآخر تعيد تغيير المؤشر من رصد النشاط الثقافى والفنى المتلاحق فى أجندة المهرجان إلى نقل المظاهرات على الهواء مباشرة.. الحدث غير المتوقع عادة هو الذى يحقق (التريند)، وما أكثر تلك الأحداث التى تعودنا عليها فى مهرجان (كان).
تعيش فرنسا تحت سطوة قدر لا ينكر من الغضب، بسبب تطبيق قانون المعاش التقاعدى الجديد الذى يدافع عنه بضراوة الرئيس الفرنسى ماكرون، وأقره مجلس الشيوخ بفارق ضئيل من الأصوات؛ وهو ما يعنى أن الرأى العام لا يزال منقسمًا حول جدوى تطبيق هذا القانون، ويحاول المتظاهرون إقناع عدد أكبر بعدالة قضيتهم.
ترتفع سن الإحالة المعاش من 60 إلى 62 عاما، كما يؤخر القانون أيضا تسلم راتب التقاعد كاملا من 65 عاما إلى 67 عاما.. قطاع كبير من المواطنين الفرنسيين لديهم قناعة بأن هذا القانون هو عدوهم الأكبر، ولهذا يهاجمونه بعنف، بينما قطاع من الشعب يؤيده قطعًا، ولكن دائما الصوت الرافض هو الأعلى.. وهكذا أصدر مجلس مدينة (كان) قراره بمنع التظاهر حول قصر المهرجان من فجر أمس ويستمر حتى يوم 28، مع إسدال ستار نهاية الأحداث.. حق التعبير عن الرأى مكفول، ولكن هناك تأثيرًا سلبيًا ينعكس على حال البيع والشراء، بسبب هذا التكدس البشرى الذى يؤثر سلبًا على تدفق الحركة فى الشوارع.
المدينة السياحية (كان) تعتبر المهرجان هو أكبر مصادر انتعاش الحياة الاقتصادية، وعندما يعلو صوت المظاهرات يخفت الإقبال على المحال، ولهذا اضطر هؤلاء المتضررون لإصدار هذا القرار من خلال الغرف التجارية التى تمثلهم. تعوّد المتظاهرون الرافضون للمعاش التقاعدى على التعبير عن غضبهم فى الشوارع بوضع (كسرولة) على رأس المتظاهر حتى يصبحوا مميزين، وفى نفس الوقت تحمى رؤوسهم من أى اعتداء.. تعودنا عندما ننقل صورة ساخرة عن مستشفى الأمراض العقلية نضع تلك الكسرولة على رؤوس سكان المستشفى.. وهو قطعًا تعبير ساخر أراده المتظاهرون.
قرار المنع يسرى فقط على الدائرة القريبة من قصر المهرجان، ورغم ذلك، فلقد تم الاتفاق على أكثر من مظاهرة تبتعد نحو كيلومتر بعيدا عن المركز الرئيسى لفعاليات (كان). كثيرا ما كنا نلاحظ تدفق العديد من المظاهرات حول القصر للتعبير عن الغضب، مثلًا (الكومبارس) أو فنانى السيرك وغيرهم فى أكثر من دورة أعلنوا الاحتجاج.
أحيانًا أيضًا عدد من الأعياد الموسمية أشاهدها فى أيام المهرجان مثل: (يوم الأحضان المجانية)، وفى ذلك اليوم لو تصادف تواجدك أمام قصر المهرجان فى الفترة الزمنية بين فيلم وآخر، سوف ينالك حضن نسائى، وأنت وحظك.. لا تثق كثيرا فى مثل هذه الأحضان المجانية، فأغلب من يمنحن الأحضان هن أيضا من أصحاب المعاشات التقاعدية، كما أن هذه التظاهرات كثيرا ما تتحول إلى توجيه نداء للدفاع عن حقوق المرأة.
ورغم أن المهرجان فى الدورات الأخيرة، وتلك الدورة تحديدا، منح المرأة أكبر مساحة من الحضور فى المسابقة الرسمية وغيرها من المسابقات الموازية، ولكن كالعادة تظل هناك الرغبة النسائية فى الحصول على المزيد.
فى العديد من دورات المهرجان، كثيرًا ما يعلو الصوت المطالب بزيادة مساحة الحفاوة بالسينما الفرنسية وأيضا نجومها، فرنسا هى مهد السينما فى العالم، شهدت بداية اختراع (الفن السابع) مع أول عرض سينمائى فى (جراند كافييه) مقابل 2 فرنك، وهى العملة الفرنسية قبل (اليورو)، السينما انطلقت على يد الأخوين لوميير لويس وأوجست فى 28 ديسمبر 1895، بينما الجمهور الفرنسى مثل أغلب الجماهير فى العالم يعتبر أن النجومية الحقيقية تساوى (هوليوود).
أيقونة هذه الدورة كاترين دينيف، صورتها هى (بوستر) المهرجان، بينما نجوم هوليوود يضيئون المهرجان، بدايةً من بطل فيلم الافتتاح (جان دو بارى) جونى ديب، إلى الحاصل على سعفة كان التذكارية مايكل دوجلاس، والعديد من نجوم هوليوود، سوف يتألقون على السجادة الحمراء.