قبل نحو خمسة أيام وأنت وأنا والجيران نستمتع بصوت عبد المطلب، وهو يردد (رمضان جانا) التى انطلقت قبل نحو 60 عاما، ولاتزال هى العنوان، عشرات من الأغانى حاولت، لكن (ولا الهوا).
صوت عبد المطلب امتزج مع موسيقى الملحن العبقرى محمود الشريف، فأصبحت الأغنية تعنى فى الضمير الجمعى رؤية الهلال، هناك أغنيات أخرى لعبد العزيز محمود ومحمد فوزى والثلاثى المرح وعلى الحجار وغيرهم، إلا أن رمضان هو عبد المطلب.
لو اتسعت الدائرة، فهل نكتشف أننا لا نزال نقتات على الماضى، هل توقف بنا الزمن عند أغنيات عبد الحليم وأم كلثوم وأفلام ليلى مراد وفاتن حمامة وسعاد حسنى ورشدى أباظة وفريد شوقى، أم أنه زمن عمرو دياب وويجز وشاكوش وشيرين وأنغام ونانسى عجرم وكريم عبد العزيز ومحمد رمضان ومنة شلبى وغيرهم.
تعودنا فى الصحافة أن نستجير بالماضى، ونعود للأرقام من خلالها نوثق المعلومة، كثيراً ما تقرأ هذا الخبر الذى يؤكد بالأرقام أن عبد الحليم حافظ يحتل المركز الأول فى المبيعات وأن «أم كلثوم» الأولى أيضاً، الحقيقة فى الشارع تشير إلى أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً.. أنا هنا لا أتحدث عن القيمة الفنية، ولكن عن مشاعر الناس وتحديدا القوة الشرائية، الجمهور المستهدف هم الشباب.
هؤلاء الذين يقطعون تذكرة الدخول إلى دور العرض لمشاهدة نجوم هذا الجيل، كما أن الشاشة الصغيرة خاصة فى رمضان لا تتوقف عن الدفع بعدد من النجوم الجدد، نرى بين الحين والآخر إعادة تفنيط (الكوتشينة).
الجديد دائماً له جاذبيته، تلك هى القاعدة، أما الاستثناء فإنك ممكن أن تلحظه، مع النجم الذى صمد فى شباك التذاكر نحو أربعين عاما عادل أمام، كما أن يحيى الفخرانى لا يزال يقف فى القمة يترقب جمهور الشاشة الصغيرة إطلالته برغم أن غيابه أصبح الآن يتجاوز العامين، إلا أن شركات الإنتاج تنتظر موافقته على أى جديد.
اختراق حاجز الزمن حالة نادرة، من الممكن أن تراه الآن مع يسرا، لا تزال تحتفظ بمكانتها على خريطة الشاشة الصغيرة، وعلى مدى تجاوز 35 عاما.
بينما جيلها تراجع عن الصدارة التى باتت محجوزة لأسماء مثل نيللى كريم ومنة ومنى وهند وياسمين عبد العزيز وغيرهن.
الماضى لا يمكن إنكاره، الفرق التراثية فى العالم كله تعرض المسرحيات والأغنيات التى صارت جزءا من الوجدان، إلا أن الأغلبية تفضل الجديد، حتى القديم عندما يعاد تقديمه تلمح خلاله لمحة من الزمن الذى نعيشه.. المجتمع الذى يعيش على الماضى فقط هو مجتمع مريض بـ(النوستالجيا) «الحنين للماضى»، كما أن على الجانب الآخر، المجتمع الذى يقطع صلته تماما بتراثه مريض.
جرعة الحنين للماضى يجب تقنينها، الفن مرتبط بالشارع، لو أنك تجولت أمام منافذ البيع سوف تدرك أن الأشرطة والـ C.D لمطربى هذا الجيل تحتل المقدمة بينما على استحياء ربما ترى فى ركن قصى شريطا لأم كلثوم وعبد الحليم ولو كان أم كلثوم وعبد الحليم وفريد وعبد الوهاب الأكثر مبيعاً لرأيت صورهم على واجهة تلك المحلات.
حتى فى زمن هؤلاء الكبار ستلاحظ أن «الأساتوك» لحمدى باتشان وزعت أكثر من «من غير ليه» لمحمد عبد الوهاب.. و«السح الدح امبوه» لأحمد عدوية وزعت أكثر من «أى دمعة حزن لا» لعبد الحليم.. و«ما اشربش الشاى أشرب أزوزة أنا» لليلى نظمى وزعت أكثر من «أراك عصى الدمع» لأم كلثوم. الشارع ينحاز لفنانيه من الشباب.
يلعنهم فى الصباح، ويصالحهم فى المساء، ثم لا يكف على أن يلعنهم حتى صباح اليوم التالى!!.