لا أحد من حقه أن يدخل فى نوايا أحد، ثم يصدر حكمًا بالإدانة، الأصل قطعًا فى كل الأمور هو البراءة.
أتحدث عن خبر اعتزال ميريهان حسين الذى صعد بها إلى دائرة الاهتمام، ولا أناقش هل تقصده فعلًا؟، أم لإثارة الاهتمام؟، كثير من الفنانين بين الحين والآخر يعلنون اعتزالهم، ولو عدت للأرشيف، بداية أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفاطمة رشدى وليلى مراد وغيرهم، ستجد أن فى صفحات حياتهم ورقة، تشير إلى إعلان اعتزالهم، ولا يعنى ذلك أننى أقارن مثلًا بين ميريهان وأم كلثوم، الاعتزال هو قرار يداعب أى فنان فى أى مرحلة عمرية، ومهما بلغت شهرته ونصيبه من النجاح.
ارتبط الاعتزال فى الأربعين عامًا الأخيرة مع الفنانات بارتداء الحجاب، ومع الرجال بتحريم الفن، اختفى تقريبا من قاموس مبررات الاعتزال، الإحساس بالإحباط.
فى الحياة الفنية تتغير الخريطة فى لحظة، (كوتشينة) النجوم يعاد دائمًا (تفنيطها)، ميريهان مثل أى فنان يبدأ المشوار وهو يحلم بالنجومية الطاغية، ولكن الأمر يتجاوز مجرد الرغبة، تعودنا عندما يحقق فنان نجاحًا طاغيًا، نقول اختصارًا لكل شىء، (أن الله شاور عليه)، نقصد أنه منحه نجومية شباك التذاكر أو البيع فى الفضائيات، الدوافع العميقة لتحقيق ذلك لا يمكن إحالتها ببساطة إلى أسباب موضوعية، ما هو غير مرئى أكثر مما يمكن أن تحيله لأسباب موضوعية، أشارت ميريهان إلى أنها لم تحقق النجومية لأسباب خارج النص والمنطق، ولو هناك عدالة لتحقق لها النجومية.
دائما هناك خط مواز نستطيع رصده لفنان قد يحقق قفزة أو اثنتين، لأسباب خارج المنطق ولا تستحقها موهبته، إلا أن استمرار الفنان بسبب قوة دفع خارج النص لا تستمر أبعد من الخطوة الأولى.
من الممكن أن يحصل فنان على البطولة لأسباب متعددة، إلا أنه لو كان لا يستحقها سيسقط حتمًا.
لم يشفع مثلا لابن أخ أم كلثوم (إبراهيم خالد) أن يحقق النجومية فى عالم الطرب، رغم حماس (الست) له، ولم يتجاوز حجمه الفنى (الكورال)، مع تقديرى لكل فنانى (الكورال)، ولم تستطع نادية ذو الفقار، ابنة فاتن حمامة من المخرج عز الدين ذو الفقار، أن تقترب من مشاعر الناس، حاولت فاتن الدفع بابنتها بطلة، إلا أن الناس كان لهم رأى آخر، فتوقفت فاتن عن المحاولة.
طبعا ليس الجميع مثل أم كلثوم وفاتن، قد نجد من يكرر المحاولة، إلا أنه فى نهاية الأمر لن يستطيع أن يفرض أقرب الناس إليه على الحياة الفنية.
هل إحساس الفنان أنه لم يأخذ ما يستحق نضعه فى إطار المشاعر الطبيعية؟، قطعًا هى كذلك، لا أحد عادة يقول إنه أخذ أكثر مما يستحق، الكثير منا وفى كل المجالات يعتبر أنه أخذ أقل بكثير مما كان يجب، وبديهى أن يقارن نفسه بآخرين، وبدلًا من السؤال هل موهبتى تستحق؟، لا شعوريًا يجد سلاح الدفاع عن النفس يعلن مباشرة أنهم نجحوا ليس لأنهم الأكثر موهبة، ولكنها (الكوسة)، بينما هو فشل رغم كل ما يتمتع به من إمكانيات لأن (الجنيه يكسب الكارنيه).
الموهبة تولد داخل الفنان ويولد معها أيضًا سلاح المقاومة من أجل البقاء، كل فنان حقق نجومية وجد أن بداخله كل عناصر المقاومة التى اشتعلت فى مرحلة من عمره عندما استشعر أن هناك خطرا يداهمه.
ميرهان وقفت على حافة النجومية ولم تصل إليها، هل هو الوسط الفنى أم أن الأمر يكمن بداخلها، ولا تملك هذا الوميض الخاص الذى يتجاوز الجمال، وينطلق إلى شىء فى الأعماق.
لا أتصور أنها بإعلانها الاعتزال تبحث عن (التريند)، كان من الممكن أن تحصل عليه لو ارتدت مثلًا فستانًا جريئًا.
إلا أنها لا تستحق فى كل الأحوال حالة السخرية التى امتلأ بها (النت)، إعلان الهزيمة على الملأ ليس مجالًا أبدًا للنيل من أحد، سواء عادت للحياة الفنية أم لا، ليس هذا أبدًا هو الموضوع.