بقلم - طارق الشناوي
أعلم أن محمد قنديل صاحب الحنجرة الذهبية بشهادة أم كلثوم والشاعر الغنائى المظلوم إعلاميًا محمد على أحمد والموسيقار الكبير الذى يحتل مساحة لا تنفد من الحب والتقدير فى قلبى كمال الطويل، قالوها بكل قناعة وإصرار وعن استحقاق (ياغاليين على / يا أهل إسكندرية).
إلا أننى سوف أستعيرها لأهل الإسماعيلية. ظرف خاص اضطرنى للعودة إلى القاهرة بعد حفل الافتتاح للمهرجان المتخصص فى السينما التسجيلية والقصيرة فى الدورة رقم 24 والتى تقف على بعد عام واحد من احتفاله باليوبيل الفضى (25 دورة).
يرأس المهرجان الناقد السينمائى المتميز عصام زكريا، تحمل الفعاليات العديد من الأفكار الجيدة، إلا أن حفل الافتتاح لا يليق قطعا بمهرجان له كل هذا التاريخ، ولا بمدينة تملك كل هذا السحر، سوف أعود بعد قليل لاستكمال الحديث عن الحفل الذى يستحق بعد كثير من المجاملة توصيف (باهت)، رغم أنه إخراج الموهوب هشام عطوة، يبدو أن الأمر اختلط عليه وتصور أنه بصدد مهرجان (المزاريطة)، قبل أن أستطرد أكثر، أريد أولا تسجيل تلك الشهادة.
وأنا فى طريق العودة للقاهرة، تمزق الإطار الأمامى للسيارة، وإذا كانت أم كلثوم تقول (عن العشاق سألونى/ وأنا فى العشق لا أفهم)، فأنا ربما أفهم قليلا فى العشق، ولكنى مؤكد لا أفهم شيئا فى إصلاح السيارات.
وجدت عربة ميكروباص، تقف فى الطريق، والسائق غادر سيارته، ولم يكن لديه زبائن، وحاول تغيير الإطار الأمامى دون جدوى، لحظات ووقفت سيارة أخرى غادرها شابان، وعلى الفور أحضرا المعدات اللازمة، وفى دقائق وببراعة ركبا (الاستبن) وضبطا كل التفاصيل، واتسخت الأيدى، فى سيارتهما كل الأدوات الخاصة حتى بتنظيف الأيدى من الزيوت والشحوم.
ولم يتعرفا على كاتب هذه السطور، إلا فقط أثناء مصافحة الوداع، انتشى قلبى بعد هذه الجرعة المكثفة من الجدعنة، التى لا يمكن أن تجدها إلا فقط فى مصر، طبقا مبدأ عام، مساعدة من يتعثر على الطريق، ولا يعنيهما الشخص؟، وهذا هو أعمق وأحلى ما فى الحكاية.
قالا لى إنهما طبيبان جراحان فى طريقهما لمستشفى بالقاهرة، لإجراء جراحة لمريض إلا أنهما لا يمكن أن يتركا إنسانا فى موقف عصيب، موعد إجراء الجراحة بعد خمس ساعات، أى كلمات شكر لا تكفى الطبيبين ولا الأسطى سائق الميكروباص.
هؤلاء يستحقون مهرجانا يليق بهم، عشت هذا المهرجان مع بداية انطلاقه عام 1991، تعثر عدد من السنوات نحو 8 دورات، كان الفنان كرم مطاوع رئيسا للمهرجان باعتباره رئيسا للمركز القومى للسينما، والمخرج هاشم النحاس المدير الفنى، المحافظ التاريخى لتلك المدينة هو عبدالمنعم عمارة، الذى لا يزال كُثر من أهل الإسماعيلية يتذكرونه بكل الخير، وهو قطعا يستحق تكريما خاصا.
برغم الإخفاق فى حفل الافتتاح، والذى تأخر نحو ساعة بسبب المذيعة، التى لم تنه مكياجها، فى التوقيت المناسب، إلا أننى عندما التقيتها قالت لى إن إدارة المهرجان هى المسؤولة لأنهم لم يرسلوا الماكيير فى التوقيت المناسب، رأيت أيضا على المسرح أكثر من إشارة إلى دورة قديمة تحمل رقم 18.
أدركت فيما بعد أن المفروض أن يمزج المخرج هشام عطوة (بوسترات) الدورات السابقة معا، ولكن خطأ تقنيا حال دون استكمال الفكرة، فصارت على هذا النحو المفجع، وكالعادة غاب المحافظ بلا عذر وأناب عنه نائب المحافظ، أثق أن المهرجان وإن كان قد فقد ضربة البداية فهو قادر تحت قيادة عصام زكريا على أن يحقق نجاحا فى باقى أيام فعالياته.