بقلم - طارق الشناوي
أكثر من ممثل عاد إلى الاستديو في دراما رمضان هذا الموسم بعد غياب امتد سنوات، ووجد بعضهم الاستديو باردا، هل يعود الممثل ليكمل ما بدأه في الماضى؟، أم أن عليه فتح صفحة جديدة؟.
الإجابة الصحيحة هي ثانيا، أن يشرع في التعامل مع القانون الجديد، الذي فرض نفسه، الخريطة التي غادرها قبل سنوات لم تعد على حالها، لا يدرك القطاع الأكبر من هؤلاء الكبار أن الحياة لا تتوقف عند أحد، وأن (كوتشينة) الحياة الفنية يعاد دائما تفنيطها، أكثر من مرة.
يحضرنى أكثر من واقعة، واحدة منها عندما تواصل المخرج محمد عبدالعزيز، وكان وقتها عام 66، مساعدا للمخرج صلاح أبوسيف في فيلم (القاهرة 30)، عرض على الفنانة الكبيرة فاطمة رشدى السيناريو، قالت له المفروض أن يأتى صلاح إلى فاطمة رشدى، فهى تعرفه منذ أن كان مساعد مخرج لكمال سليم في فيلم (العزيمة) بطولتها، وكانت هي (فيديت) السينما، وحملت لقب أيضا (سارة برنار الشرق)، واعتقدت أن عقارب الساعة لا تزال متوقفة عندها، كما أنها طلبت أن تلعب دور (إحسان) بطلة الرواية الذي أسنده أبوسيف إلى سعاد حسنى، بعد اعتذار فاطمة رشدى أسند أبوسيف الدور إلى فنانة قديرة من جيل فاطمة رشدى، وهى بهيجة حافظ، التي أدركت تماما فروق التوقيت.
حكاية ثانية سلطانة الطرب منيرة المهدية اعتزلت في منتصف الثلاثينيات بعد النجاح الطاغى الذي حققته أم كلثوم، وأقامت بعدها فاطمة حفلا اعتبرته العودة واسترداد اللقب، وذلك عام 48، حضرته أم كلثوم كنوع من التشجيع لها، إلا أن منيرة لم تتمكن من استكمال الفصل الثانى، وعادت لبيتها وهى مهزومة مقهورة.
الممثل العائد بعد غياب يحتاج لشحن بطارية الإبداع أولا، وقبل ذلك القدرة على التواؤم النفسى مع المرحلة العمرية التي يعيش فيها، ويروض نفسه على التنازلات الأدبية التي عليه أن يعقد معها معاهدة صلح، منها كتابة اسمه على (التترات)، وأيضا الأجر، سبق أن أشار شكرى سرحان إلى غضبه من جيل التسعينيات، الذي لحق نجومه في النصف الأول من ذلك العقد، كانوا يذهبون إلى غرفته معلنين أنهم لا تسعهم الفرحة بمجرد أن أسماءهم ستأتى بعده في التترات، ثم يفاجأ أنهم يذهبون بعدها مباشرة للمخرج والمنتج، طالبين أن يسبقوه.
فن أداء الممثل سريع التغير، فهو يلتقط مفرداته من الشارع، وأبجدية التعبير الحركى واللفظى دائمة التغيير والتعديل.
أتابع شكوى العديد من الفنانين، قد تختلف درجتها وشدتها، ولا يعترف أحد غالبا بأن خطأ الغياب يتحمل هو عنه جزءا من المسؤولية، ولا وجود لمؤامرة تترصده، ولكن في العالم كله تتكرر هذه الشكوى، ومن الممكن أيضا أن يحدث نسيان غير متعمد، مثلا قال لى إبراهيم نصر إن صديقه أحمد زكى قال له: (مش عارف ليه لما نيجى نعمل (كاست) ممثلين في أي عمل فنى يسقط اسمك عند تسكين الأدوار، وبعد التصوير أجد أننى والمخرج نقول معا لماذا لم نفكر في إبراهيم نصر؟).
الكبار أهلا بهم قطعا في ملعبهم وعلى أرضهم، فقط عليهم أن يبدأوا في كل مرة صفحة جديدة ومن أول السطر، ساعتها سيشعرون حتما بدفء الاستديو!!.